رئيس التحرير
عصام كامل

هل أكلت ثورة يوليو أبناءها!

لا شك أن ثورة يوليو التي نحتفل بذكراها الـ 68 هذه الأيام كانت حدثاً تاريخياً ملهماً، ليس للمصريين وحدهم بل لشعوب المنطقة والعالم أجمع؛ فمنها انطلقت حركات التحرر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرهما، وعلى نبراسها تأسست حركة عدم الانحياز، وانحسرت بفضلها موجات استعمارية أذاقت البشرية مرارة الذل والاستعمار.

فإذا قال قائل إن ثورة يوليو أكلت أبناءها أو بعضهم فذلك لا يخلو من حقيقة لكن الصحيح كذلك أن بعض بنيها اختلفوا معها وانقلبوا عليها، ولعل البداية كانت من أزمة 1954 التي أنهت شهر العسل بين رفاق يوليو، فاستحال الوفاق بينهم خلافاً..

 

ثورة يوليو.. وثورة 30 يونيو!

 

واحتدم الصراع بين الضباط الأحرار صناع الثورة ومفجريها، فانقسموا فريقين؛ الأول تزعمه محمد نجيب رئيس الجمهورية وقتها ومعه خالد محيي الدين ويوسف صديق، وقد أصروا على الوفاء بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم للشعب بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة..

 

وهو ما رفضه جمال عبدالناصر وفريقه الذين كانوا أغلبية في مجلس قيادة الثورة، ورأوا تمديد الفترة الانتقالية سنوات أخرى حتى تكتمل أهداف الثورة، وتتحقق مبادئها الستة التي قامت من أجلها.

وانتهى السجال بإقالة اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر، وتحددت إقامته في فيلا بالمرج حتى انقضى أجله.. بينما لزم يوسف صديق بيته رافضاً استكمال مشواره مع الثورة التي كان أحد أهم أركانها..

 

فهو منقذها من فشل كان محققاً لولا مخاطرته باقتحام قيادة الجيش في اللحظات الأخيرة وقتها وكان سيدفع ثمنه أولاً قبل رفاقه الذين كان في انتظارهم محاكمات ومشانق تذكرنا بما أقدم عليه السيسي من مخاطرة قبيل إزاحة الإخوان عن الحكم ولو فشل كان سيلقى مصيراً مؤلماً..

 

ثورة يوليو.. والتقييم الصحيح!

 

كما سيسجل له التاريخ أنه رد الاعتبار ل" يوسف صديق" بحسبانه رمزاً وطنياً كبيراً بمنحه قلادة النيل تقديراً لدوره في إنجاح ثورة يوليو مثلما كرّم من قبله اللواء محمد نجيب بإطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية غرب البلاد .

الرئيس السيسي بتكريمه رموزاً وطنية منسية صحح أوضاعاً خاطئة تاريخياً، وأنصف قادة حقيقيين لثورة يوليو ورفع عنهم ظلماً ما كان يصح أن يقع في حقهم.

أما فريق عبد الناصر قد غيب الموت الأخوين جمال وصلاح سالم، وانتهى الحال بعبداللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم إلى التقاعد، وتجرع عبدالحكيم عامر كأس المنية ليلقى نهاية أشد مأساوية..

 

عفواً.. ليبيا ليست اليمن!

 

ولم يكن "ناصر" أحسن حالا من رفاقه فسرعان ما أفل نجمه وغيبه الموت في سبتمبر 1970بعد اعتلائه سدة الحكم بنحو ستة عشر عاماً، مستمداً شرعيته من ثورة يوليو ليخلفه السادات الذي سرعان ما خلع قميص "ناصر" فور توليه الحكم..

 

وأجبر من بقي من أبناء الثورة على التقاعد واعتزال العمل السياسي ثم انقضى عصره هو الآخر سريعاً بما له وما عليه، بعد تحقيقه أعظم انتصارات العرب في العصر الحديث في أكتوبر 1973 حيث لقى الشهادة بين جنوده يوم العرض العسكري .



الجريدة الرسمية