رئيس التحرير
عصام كامل

أبحاث للبيع!

قبل الذهاب لمدرسة ابنى، الطفل فى الصف الخامس الابتدائي بإحدى المدارس الحكومية المصرية، وجدت مكتبة أدوات مدرسية يتزاحم عليها الكثير من أولياء الأمور، تدل هيئة البعض منهم على تواضع مستواه المادى والاجتماعى، بينما البعض الآخر يبدو من بقايا الطبقة الوسطى الآخذة فى الانقراض منذ سنوات..

 

لكن الجميع تجمعوا حول هدف واحد وهو شراء بحوث لأبنائهم فى المراحل قبل الثانوية، وذلك حتى يتمكنوا من إرضاء رغبات السيد وزير التعليم، والذى أصر على قيام أطفال بعمل بحوث (علمية) حتى يتمكنوا من الانتقال للصفوف الأعلى فى التعليم المصرى الحكومى، والذى يقبع خارج التصنيف الدولى لجودة التعليم.

 

اقرأ أيضا: وراء كل مهرجان انكسار (2 )

 

لكن السيد وزير التعليم والسادة مستشاريه يرون غير ذلك بالطبع، بل إنهم يعتقدون أن أطفالنا المساكين قد صاروا خريجى جامعات وأنهم بالفعل التحقوا جميعا بالدراسات العليا، ثم درسوا مادة مناهج البحث لمدة عام على الأقل حتى يتمكنوا بعدها من عمل بحث علمى مثل الذى اشترطته الوزارة على أطفالنا، وكأنهم سيحصلون بعد هذا الجهد (المتخيل) والوهمى، على درجة الماجستير فى مناهج التعليم الأساسى..

 

هل نتركهم ينتقلون للعام الدراسى بدون تكدير لهم ولأسرهم.. بالقطع لا.. هل نحاول تهوين وتيسير الأمور على أولياء الأمور مثلما تحاول الدولة الآن.. بالطبع لا، لا بد أن نبقى وزارة التميز والعكننة على خلق الله!

 

اقرأ أيضا: على حافة جهنم

 

مررت بأكثر من مكتبة من المحيطة بحى المدارس الذى تقع فيه مدرسة طفلى، فإذا الأمر متكرر وإذا بالزحام الذى تحذر منه الدولة وتسعى جاهدة لتقليله، تقوم بخلقه ومباركته واصطناعه قرارات وزارية من وزارة تكاد تعمل خارج إطار توجهات الدولة، وزارة لا هم لها سوى إنفاذ ما يراه فرد واحد، أو ربما فرد ومجموعة مستشارين يبتدعون تقويما تعليما لا يصلح إلا لمن أنهى دراسته الجماعية..

 

لكنه الانفراد بالقرار والذى من شأنه الإساءة للدولة ولحكومتها فى ظل ظروف لم يعرف العالم أجمع قسوتها من قبل!

 

اقرأ أيضا: كباريه الحشمة والأدب

 

وصلت لمدرسة ابنى، ومن على بوابة المدرسة استقبلنى كثير من أولياء الأمور بإجابات مكررة عن متلازمة الأبحاث الجديدة، فأرشدونى إلى الأستاذ (فلان) والذى نصحنى بعدم إرهاق نفسى فى عمل بحث لابنى والتوجه مباشرة لأى (سايبر) أو مكتبة وشراء بحث، وسيقوم مسؤول المكان برفعه على المنصة التى كلفت الدولة ملايين كثيرة، ظنا من مسؤولى وزارة التعليم فى بلادنا أن أطفالا أبرياء سيتمكنون بقدرة قادر وبنظرة سحرية من معاليهم على التحول إذ فجأة لأساتذة جامعيين مهابين مبدعين!

 

تحول الأمر بالقطع لتجارة واستنزاف لنا وللفقراء مثلنا فى مصر، فالتعليم الحكومى ما قبل الثانوى فى مصر يضم مالا يقل عن 7 ملايين تلميذ، سيدفع كل ولى أمر مبلغا لا يقل عن 150 جنيها ثمن البحث (الوزارى)، مبلغ قد يراه الوزير ومن معه تافها، لا يساوى مشروب فى كافيه من التى يرتادونها فى أوقات فراغهم، لكنه يمثل أزمة لكل ولى أمر ارتضى بالمدارس الحكومية لأبنائه لأنه اليد قصيرة بل وعاجزة عن توفير مصاريف الخاص والدولى فى ميغة التعليم المصرى والذى لا يمكن ان تطاله يد الوزارة!

 

الـ 500 جنيه ضاعت يا أستاذ!

مهما اختلفنا مع الدولة وسياستها، فهناك أمور حدثت بالفعل تهوينا على المواطنين ومنها صرف إعانة مقدارها 500 جنيه للعمالة اليومية، والتى تمر بظروف قاسية مهلكة، ورغم ذلك أتاحت الوزارة التى تكاد تعمل عكس توجهات الدولة بإتاحة الفرصة لتجار الأبحاث باستغلال أولياء الأمور، والذين لا يستطيع أكثرهم عمل بحث لابنه..

 

اقرأ أيضا: الرضا والفول

 

فهل يتخيل السيد الوزير أن العامل البسيط شبه الأمى، أو الأمى أو حتى ذو التعليم البسيط يستطيع عمل بحث علمى لابنه أو ابنته! ببساطة ووضوح شديد، هذا العامل يبكى حاليا لأنه بين مطرقة الجوع وسندان أبحاث السيد الوزير، والذى ربما سمع يوما عن الأبحاث العلمية التى تباع من قبل بعض الفاسدين فى الجامعات لطلاب الدكتوراه فكيف لا تباع للأطفال!

 

هل يستطيع طفل حديث العمر والخبرة والعلم أن يصير طالب دكتوراه أو حتى ماجستير اذا كان ولى أمره عاجزا عن عمل ورقة بحثية بمراجعها!

 

أين الدولة من هذا العبث الذى يجب أن لا يمر مرور الكرام لأنه يسىء لها وينسف جهودها فى تجاوز الأزمة الراهنة الناتجة عن جائحة مهلكة لا تنقصها وزارة التعليم وأبحاثها العبقرية!

fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية