الرضا والفول
مناخ مفعم بالترقب، الحذر المشوب بالخوف من الحديث في أمور سياسية سيطر كثيرا على أغلبية الكتاب في معظم الصحف والمواقع المصرية خوفا من اتهامهم بأنهم معارضة.. وتبعات كلمة معارضة ارتبطت عند كثير من المسؤولين باتهامات مفزعة، ثم حدثت تطورات في الأسابيع الأخيرة أوحت للحكومة بأن ثمة غضبا مكبوتا يخشى الجميع من فيضانه!
تطورات أدت إلى قيام الرئيس شخصيا بإعادة من تم حذفهم من بطاقات التموين، رغم أنف السيد المصيلحى وزير الإحسان.. أو وزير ما يعرف بوزارة التموين رسميا، ولكن السيد المصيلحى صرح بأنه ينظر بعين (الإحسان) لمستحقى الدعم.. كبرت كلمة تخرج من فيه، ولو أدرك فداحة ما تلفظ به لقام من فوره بالاستقالة، ليس فقط لكى يمحو آثار إهانته للمواطنين، ولكن لإساءته لنظام يعمل فيه، فوزير مثل المصيلحى لا يعرف السياسة ولا يدرك معنى الأمن القومى، ولم تصل له بعد تحرك رئيس الدولة بنفسه لرجوع الدعم، أو بالأحرى جزء يسير من الدعم للمواطنين، دعم يحصل الوزير على أضعاف أضعافه في صورة بدلات وحوافز ومزايا كثيرة تستطيع أن تحيى آلاف الأسر التي يخالها تنتظر إحسان سعادته!
12 عاما من الفول المتاح!
منذ عام 1990 وحتى عام 2002 كان رغيف الفول الكامل يباع بنصف جنيه في معظم أنحاء مصر، وكانت الدولة حينها تدرك أنه هناك مستويات للأمان المجتمعى والقومى، بل ومستويات لأمن النظام نفسه، وبالقطع كان الفول، أو الطعمية هما الوجبة الأساسية لأغلبية المصريين، لذا كان الحرص الدائم على رخص أسعارهم هدفا قوميا عند نظام "مبارك"، وبالضرورة كان هناك أيضا أطباق شعبية رخيصة مثل الكشرى لا يتعدى إحداها الجنيه الواحد، وكان هناك وزير بمثابة عكاز الحكومة، أو سندها وهو المرحوم الدكتور أحمد الجويلى، والذي حافظ على استقرار الأسعار لأكثر من عقد من الزمان، وزير لا يقارن بالمصيلحى..
وحتى لا يكون النقد كله للوزير، فالواقع يقول إن السياسات الاقتصادية لم تكن حينها بهذا التوجه الرأسمالى الفج وكانت هناك خطوط حمراء للنظام في تعامله مع الشعب، فالوقود رخيص والغذاء الأساسى لا يُمس وحتى المزاج (المقنن) المتمثل في سيجارة وكوب شاى كان حاجة ببلاش كده!
البرلمان يدعونا للمعارضة!
على استحياء أكتب هذا المقال، بعدما توقفت عن ممارسة السياسة في مقالتى لسنوات، فكيف أمارس شيئا غير موجود وتم وتأييده، أو أمارس شيئا يجلب لى متاعب واتهامات أنا وأسرتى في غنى عنها، ولكن بالأمس وجدنا رجال الدولة في البرلمان يطالبوننا بالمعارضة!.. الآن أدركوا أهمية وجود صوت يغرد خارج السرب!
نحن جميعا نخشى على هذا الوطن ولا أرى فصيلا أكثر خوفا على وطنه من المعارض لأنه ببساطة يتمنى الخير لوطنه، والوطن عنده هو الجميع، ليس فقط تراب وحدود ولكن بشر يحيا فوق هذا التراب ويبذل حياته في الدفاع عنه طالما احتضنه ولم يميز بينه.
وبين غيره، والأمور لا تحتاج لإسهاب أو شرح ممل، فقط الناس تريد عدلا ومساواة في الحقوق والفرص والواجبات، الناس تريد أمانا غذائيا وصحيا وتعليميا للجميع دون أدنى تمييز، وإذا حدث ذلك ستجد الحريات العامة مصانة ولن يتطلع أحد للجريمة أو للمنافسة على السلطة مطلقا!
fotuheng@gmail.com