وراء كل مهرجان انكسار (2 )
يرفض كثير من المصريين ما يسمى بأغانى المهرجانات لأسباب كثيرة انتقائية متناقضة ومضللة، فهم يتقبلون فحشا أكبر إذا كان من نجم يحبونه وله جمهور فى السينما أو فى ملاعب كرة القدم، فمثلا ما قام به لاعب الزمالك المشهور أمام ملايين العرب والمصريين فى ملعب أبو ظبى فى مباراة (القمة) الأخيرة، يفوق فى انحطاطه وبذاءته ما قام به شاكوش أو بيكا أو غيره من أصحابا المهرجانات..
ورغم ذلك وجد اللاعب من يدافع عنه من المسؤولين ومن الجماهير أيضا، ولكن احقاقا للحق، فإن كثيرا من جماهير الفريق المنافس للاعب سبته بألفاظ منحطة وسوقية يفترض أن يعاقب عليها القانون.. إذن الانحطاط متبادل وعام والمهرجانات هى جزء يسير ولكنه فج يعبر عن حالتنا الأخلاقية كمجتمع يعيش مرحلة سالم ابن نفيسه العجانة !
سالم ومحجوب !
فى رائعة القاهرة 30 ، لنجيب محفوظ،، وجد محجوب عبد الدايم الدياثة هى العرض الوحيد المتاح له لكى يعيش ويعمل ويترقى، بل ويصير نجما من نجوم مجتمع العفن والقذارة السائد حينها، وتدور الأيام والقواد الذى منحه الفرصة (سالم) ابن نفيسة العجانة سابقا، ثم يصير سالم بك بعدها، يجد نفسه حاسدا حاقدا على الديوث محجوب لما ناله جزاء دياثته.. ولأن العفن صار المنهج الأوحد للترقى والمال والوجاهة الاجتماعية، يسعى سالم لأن يصبح مثل محجوب ولكن لا يجد فرصة فيحقد عليه ويفضحه!
اقرأ ايضا: على حافة جهنم
للأسف أخشى أن أقول إن الكثير الآن صار مثل سالم، فهو يستمع لهؤلاء الذين يتغنون بالدعارة وزنى المحارم وشرب المنكرات، يشاركهم تسجيلاتهم وينشرها ويمنحها إعجابه، بل ويرقص عليها فى مناسباته الاجتماعية مع أسرته التى يدعى أنه يخشى عليها من تلوث أسماعها بهذا التقزز الداعر..
رغم أنهم فى الواقع يحفظون أغلبها معهم، ثم يخرج ليهاجم هؤلاء على صفحات التواصل، ليس فقط تقليدا لمدعى الفضيلة بل غيرة من الملايين السهلة والأرقام الفلكية التى يحصلون عليها يوميا، بينما هو مثل سالم ابن نفيسة العجانة، يحسده على ضياع فرصة القيام بدوره.. لو كان الأمر مجرد خوف عل الفضيلة وحماية للاخلاق لما انتشرت هذه البذاءات بين جميع الطبقات دون استثناء!
اقرأ ايضا: دولة وأنا مالي !
طبيبة وطبيب يصنعون مهرجانا لزفافهم!
يعيش أغلب المجتمع المصرى فى شرنقة تقديس الطبيب، وبعده المهندس وفقا لتفوقهم فى مراحل التعليم دون النظر لربط ذلك بكود أخلاقى وقيمى يبتعد بمهنة الطب عن حالة التجارة بالمرضى، التى تفشت منذ سنوات بعيدة، ورغم ذلك مازال التقديس مستمرا حتى للبذاءة والسوقية والتدنى الخلقى خاصة إن خرجت من طبيب أو مهندس..
فقد انتشرت على مواقع التواصل فيديو لعرس طبى بحت تقوم فيه العروس مع عريسها وباقى الزميلات والزملاء الموقرون بتمثيل مهرجان، بما يحويه من رقص فج يقلدون فيه حركات (السرسجية) سكان العشوائيات التى يسخرون منها ومنهم، وللأسف كانت أغلب التعليقات تدور حول عظمة هذا المهرجان وجمال العروسين، وروعة أداء باقى الفرقة الطبية التى تمثل قمة الهرم العلمى والإجتماعى عند عموم المصريين.. وسلم لى على الأخلاق التى تظهر اذ فجاة عن مجتمع يعيش أغلبه فى أكذوبة التدين والقيم والتقاليد!
اقرأ ايضا: ابن البيضا
كلمات المهرجان البذيئة أم أفعالهما !
ينتقد الكثير منا أغانى المهرجانات لكلماتها البذيئة وهذا واقع وحق، ولكن كثير ممن ينتقدون هذه البذاءة الصادرة من أصحاب المهرجانات، لا ينتقدون الفعل الذى تعبر عنه الكلمات مجسدا، طالما كان صادرا من نجم كبير يحبونه وتربوا على أعماله الفنية أو عايشوا فترات طويلة من حياته كان فيها متمتعا بالمال والشهرة والذين أضحا القيميتن الأهم فى حياة الناس..
فمثلا نسمع كثيرا و نشاهد فضائح لمن نعتبرهم نجوم ومع ذلك يوقرهم المجتمع إما نفاقا أو سفاهة أو حبا فى القيام بنفس أفعالهم مع الحصول على حظهم من الشهرة والثروة، فهذا يتبرأ من أطفاله ورغم ذلك يعدونه نجم وقدوة، وتلك تعترف بطفل لها من فلان، وآخر يفعل أشياء مقززة ولكن طالما كان للأضواء نصيب منهم، يتناسى الجميع ذلك أمام زيف الكاميرات و بريق الفضائيات وشاشات العرض..
فها هى الكلمات القبيحة الداعرة التى تتحدث عن العهر تجد تطبيقا فعليا فى مجتمع يفترض أنه متدين، وله تاريخ حضارى قيمى، وإن تجاسرأحدهم على انتقاد هذا النجم أو تلك النجمة تثور الدنيا وتقوم ولا تقعد لفترة، ثم يجد هذا المنتقد الوصم بالتخلف والتطرف من السادة الكيوت المعجبين المروجين للسفالة.. كفى نفاقا فنحن ننتقد بضاعتنا التى ردت إلينا، بذاءة المهرجانات جزء أصيل من حياة الكثير منا!
fotuheng@gmail.com