الوباء والفتنة
لعلها من المرات القليلة التي يتوحد فيها العالم علي خوف واحد.. لا فرق بين عربي أو غربي. ولا مسلم أو مسيحي.. ولا غني أو فقير.. أجمل عواصم العالم وأقلها جمالًا خاوية شوارعها من البشر.. لو كانت حرب عالمية لما فعلت هذا بالشعوب.
ورغم الخوف الكامن في قلوبنا جميعًا والذي ربما يتخطاها إلى الخوف على المقربين منا.. إلا أن هذا الفيروس أظهر على السطح مستويات غير مسبوقة من انعدام الضمير فتحول إلى فتنة.
- تناقل أخبار وإشاعات بلا مصدر وأقاويل لمسؤولين كبار أوربيين وصور وفيديوهات قليل منها حقيقي والآخر مفبرك بشكل واضح لأحوال إيطاليا بلا أي أدلة من صدق المعلومات من الدولة المعنية.. وشارك في هذا بعض المصريين بالخارج عن قلة وعي وضعف لغات وأيضا لأن السبوبة كانت حاضرة حتي في أحلك الظروف.
اقرأ أيضا: كورونا الأعمى
- ومن أسوا الفيديوهات كانت حرق جثث الموتي بفيروس كورونا في إيطاليا مما أعطي انطباعا مخيفا لأهالي المصريين والعرب بالخارج، وأثار الذعر في النفوس حال إنتشاره في البلاد العربية، مما دفع القائمين علي المركز الإسلامي بمدينة بريشيا بإيطاليا أن ينقلوا بثا مباشرا للصلاة والدفن للطبيب الأردني الذي مات هناك وهو يؤدي واجبه ليطمئن أهله في الأردن..
استمر البث نصف ساعة، وخطب الإمام إن حرق الجثث بإيطاليا عادة قديمة تتم بناء على طلب بعض الإيطاليين بوصية سابقة للوفاة، وإن المسلمين يدفنون في المقابر الإسلامية بجميع مدن إيطاليا، وإن الأخبار التي تصل الدول العربية عن إيطاليا مبالغ فيها.
اقرأ أيضا: دماء وطنين
- على الجانب الآخر هناك متعة مرضية مغرضة يشعر بها البعض حين ينشر الذعر والهرع بنشر أي فيديوهات أو معلومات عن إصابات بأرقام غير حقيقية في مصر، وكأن هناك ماراثون لتناقل الأخبار مما حطم الروح المعنوية للكثيرين، وجعلهم ضحية للقلق الذي يضعف مناعة الجسد في مواجهة الفيروس.
- ولعل هناك فارق كبير جدا بين نشر الذعر بالأكاذيب وبين نشر الحقيقة للوقاية واتخاذ الاحتياطات.. وهذا ما فعله سفير فرنسا حين ألقى خطابا ثلاث دقائق للجالية الفرنسية بمصر إستعرض فيه مبدئيا كامل تفهمه لكل المشاعر التي تنتاب الفرنسيين بمصر من قلق وتوتر وشعور بالوحدة، ثم انتقل إلى المواجهة بالحقيقة بمنتهى الصراحة للسيناريو المتوقع في الأسابيع القادمة بمصر إنها ستكون صعبة، وهو ما حدث بدول عديدة أوربية وعربية، ولن يكون جديدا أن يتكرر بمصر، وأكد في النهاية علي مساندته وفريق عمله ليل نهار في خدمة جاليته.
إنها الصراحة الضرورية في هذه المواقف..
وفي رأيي إن ما حدث هو إن الصين أخفت وجود فيروس جديد أصاب مواطنيها بشدة وبعدوي سريعة.. وظل الصينيون ينتقلون بين البلاد الأخري حتي اضطروا في النهاية إلى إبلاغ منظمة الصحة العالمية وكان الوقت قد تأخر كثيرا فإنتقلت العدوي إلي العالم كله.
إقرأ أيضا: مصر والعلاقات الاستراتيجية لفرنسا في الشرق الأوسط
القصة ليست فشل أو نجاح بل هي وباء إجتاح بلاد بلا إنذار وبمعدل عدوي الآلاف المصابين ومئات الوفيات، ويتطلب المئات من غرف العناية المركزة وأجهزة التنفس يوميا.. وهذا كفيل بإرباك أي دولة مهما كانت قدراتها الاقتصادية.
- سمعت اليوم دكتور فيليب جوفا رئيس قسم الطوارئ في باريس والذي يتحدث بالصراحة المعتادة للفرنسيين في هذه المواقف ورغم إن صراحته صعبة لكنها ضرورية لإنقاذ حياة الناس، فكل مرة يبدو علي ملامح وجهه مزيج من التوتر والقلق، واليوم قال علي المختصين بفرنسا إسراع البت في أمر المضاد الحيوي الذي تم تجربته، والذي يعالج الملاريا وأتي بنتائج جيدة خلال أيام لأن الفيروس قاتل، وليس هناك داع للانتظار خوفا من الآثار الجانبية له علي قلة من الحالات.
اقرأ أيضا: رحلة الجنسية الفرنسية (2)
- ولعل من أغرب الملاحظات هي توظيف الوباء دينيا فالبعض ذهب إلي أن أوروبا سوف تعترف بالإسلام خوفا من الوباء وهي افتراضية محزنة، لإن الإسلام لن يزيد أو ينقص بإيمان أحد خاصة لشعوب تهتم بالعلم أكثر ما تهتم بالدين، وهذه اختياراتهم الدنيوية ولعل الأفضل أن يفكر كل منا كأفراد في عمق الرسالة الربانية الموجهة إليه أولى من التفكير في الغرب وإيمانه وكفره.
- وأيضا كان التوظيف الأكثر سوءا علي الإطلاق للوباء في ظهور الملحدين علي السطح علي إستحياء وبتلميحات عن إنهزام الدين أمام العلم ولسان حالهم يقول أين الله.. ولا أجدهم يستحقون الرد فطاقة النقاش يجب توفيرها لأصحاب العقول، ولكن أذكر إني زرت متحف العلوم الشهير بغرناطة جنوب إسبانيا، ووجدت به مكعبين زجاجيين أحدهما به رمال قليلة جدا، والآخر به رمال كثيرة عن آخره.. ومكتوب علي الأول هذا ما توصل له العلم علي الأرض ومكتوب على الآخر وهذا ما يجب علينا اكتشافه.. (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) صدق الله العظيم.