جلس السريقوسي دون أن ينطق بكلمة، ولم يكن الأمر ملائما لرجل عائد بعد غياب، فمن يشاهدهما سيقسم أن الرجل قادم لتوه من الغرفة المجاورة، فلا مشاعر فرحة ولا شعور بالحنين..
خوفها ألجمها وغشى بصرها، فلم تعد ترى سوى طريق واحد، وهو أن تصبح خائنة لزوجها، ما دام ذلك هو الطريق لحماية ابنتها من بطش الحاكم، حين يفشل مخطط زوجها فيقرر التنكيل به وبكل من له صلة به..
ما السر وراء ميلاد تلك الرغبة المشتعلة في صدر الكومندان من أجل الاستيلاء على الحكم؟ تلك شهوات قد دفنت منذ عقود في مملكة خوفو، ففي وجود الخوف لا مجال للأحلام والتطلعات..
هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها الحارس السجين ب الخوف، فطيلة الفترة الماضية وهو يكتفي بخوف زميله في المحبس، إذ كانت درجة خوف السريقوسي تكفي عشرة رجال..
لم يدرك السريقوسي شيئا مما يحدث، وحتى لم يجل في خاطره أن يسأل الحارس عن سر الزج به هو الآخر في ذلك السجن، وربما كان ذلك لأن الرجل كان منشغلا بخوفه، للدرجة التي منعته من الحزن على نفسه..
إبتلع الزائر ريقه، رغم عدم وجود شيء يدفعه للخوف، إلا أن مجرد رؤيته لورق حكومي مدون عليه اسمه كان كفيلا ليشعره وكأن جبلا يجلس فوق صدره..