المركز القومي للمشاعر (9)
كانت صالحة تجلس أمام شاشاة التلفزيون كعادتها، تشاهد البرنامج ذاته وهي تشرب كوبا من الشوكولاتة الساخنة، حين سمعت طرقات خفيفة على الباب، فقامت من مكانها متجهة نحو الباب في حركة بطيئة وكأنها ممثلة في فيلم يعرض بالـ«سلوموشن»، فنظرت من العين السحرية، قبل أن تفتح الباب وتعود إلى مكانها غير مكترثة بالطارق الذي كان السريقوسي، العائد من السجن بعد أسابيع من الغياب.
إلى جوارها جلس السريقوسي دون أن ينطق بكلمة، ولم يكن الأمر ملائما لرجل عائد بعد غياب، فمن يشاهدهما سيقسم أن الرجل قادم لتوه من الغرفة المجاورة، فلا مشاعر فرحة ولا شعور بالحنين.. حتى الخوف لم يكن حاضرا في هذه الجلسة.
- هل لديك المزيد من الشوكولاتة الساخنة؟ هكذا سأل السريقوسي زوجته، والتي قامت من مكانها وذهبت إلى المطبخ، ثم عادت وفي يدها كوب ناولته لزوجها الذي راح يعب منه في بطنه، وهو يتابع البرنامج التلفزيوني رفقة صالحة.. بعد قليل عادت سهر من الخارج، حيث كانت برفقة ابن عمها وخطيبها ساهر، يستعدان لمراسم الزفاف، الذي كانا قد اتفقا على اتمامه حتى وإن لم يعد والدها، الذي سبق وأن خرج قبل أسابيع ليحضر لها ولعريسها وبعض من الحضور قدر من مشاعر الفرح، لكنه أخيرا عاد بخفي حنين.
مراسم الزواج
توقفت الفتاة أمام ابيها للحظات، وأخذت تطالع وجهه الذي بدا وقد تغير بعض الشيء، غير أنها لم تتحدث إليه ولم تسأله عن سر غيابه، بل جلست إلى جواره ووالدتها، وسألت كذلك عن بعض من مشروب الشوكولاتة الساخنة، لتنهض الأم مرة ثانية وتحضر كوبا من المطبخ، ليجلس ثلاثتهم يتجرعون المشروب وهم يشاهدون البرنامج ذاته، الذي يعاد للمرة الألف، دون أن يشعر أيا منهم بالملل ولا الضجر!
في اليوم التالي، أقيم حفل بسيط لزفاف ساهر وسهر، حضره السريقوسي وصالحة وشاهدين أرسلتهم إدارة الزيجات بمملكة خوفو، رفقة المأذون الذي أعلن الشابين زوجا وزوجة، ثم انصرف كل من الحضور إلى بيته، وكذا أخذ ساهر عروسه إلى شقتهما الجديدة، ليقضيا أول لياليهما معا. وفي بيتهما الجديد، جلس ساهر وسهر يتابعان البرنامج ذاته وهما يرتديان ملابس الفرح، الذي لم يكن به أي مظهر من مظاهر الفرح، ولم يقطع صمتهما سوى كلمة قالها ساهر في برود..
- جوعان.. وهنا نظرت له سهر، واستفسرت منه.. هل تخبرني بأنك جوعان.. أما أن كلمتك هذه تعني حاجتك لتناول الطعام.. ظل ساهر يفكر ويفكر، فهو يعلم أن أي شيء سيقوله الآن سيكون بمثابة أول مادة في دستورهما لحياتهما القادمة، ثم لعق شفتيه بلسانه، وقال..
- أظن أنني أعني بذلك أنني أريد أن أتناول شيئا من الطعام، فحين أقول إنني جوعان فأنا هنا أفعل مثلما يفعل أحدهم حين يسأل شخصا آخر قائلا هل لديك ساعة؟ متوقع من ذلك الآخر أن يرد عليه بأن الساعة كذا وكذا..
- نعم معك حق.. لكن هل علي أن أطبق ذلك الأمر على كل ما تقول، فمثلا لو قلت إن الجو ممطر اليوم، هل يعني ذلك أنك تريد أن أحضر لك شمسية..
حيرة وقلق
أخذ ساهر يفكر ويفكر، إذ انه لم يكن مستعدا للإجابة على هكذا سؤال، لكنه أخيرا أخبر زوجته، التي أصبحت زوجته منذ ساعات فقط، بأنه من الأفضل أن تكون كل حالة بمفردها، وألا تعمم الأمر على كل ما يقول، خشية أن تسيء سهر فهمه في أمر ما ويتسبب ذلك في كارثة، فأبدت زوجته تفهما، وذهبت غلى المطبخ ثم عادت ومعها شطيرة جبن، ناولتها لزوجها الذي أخذ يضم فيها وهو يواصل مشاهدة التلفزيون.
انتهى البرنامج، وظل الزوجين الصغيرين صامتين، إلى أن تثائبت سهر، وأخبرته إنها سوف تذهب إلى النوم، فهز رأسه قائلا حسنا، فانطلقت هي إلى الداخل وظل هو وحده أمام التلفزيون بشاشته المعتمة لنحو ربع ساعة، قبل أن ينتبه إلى أن هذه ليلة دخلته، وأن هناك شيئا يجب أن يحدث بين أي زوجين في ليلة دخلتهما، فشعر بارتباك، وراح يتمشى جيئة وذهابا أمام جهاز التلفزيون المعم الذي كان يعكس صورته، حتى أنه توقف للحظات وراح يطالع ملامح وجهه الظاهرة على الشاشة..
- ترى هل علي أن أطلب منها ذلك، أم أنه كان يجب عليها أن تبادر هي؟ حقيقة لا أعلم فهي فتاة رقيقة وخجولة ولا أعتقد أنها من الممكن أن تبادر وتطلب شيئا كهذا، كما أن والدتها لا يمكن أن تفاتحها في أمر كهذا.. على العموم سوف أدخل إليها وأطلب منها أن تشاركني الأمر قبل أن يطلع علينا النهار ويأتي والديها أو أحدا من عائلتي ليطمئن علينا بعد أول ليلة زواج..
انتهى ساهر من التحدث إلى نفسه، وأغلق نور الصالة التي كان يجلس فيها، ثم أسرع إلى غرفة النوم. داخل غرفة النوم كانت سهر قد غطت في ثبات عميق، وهي ممدة بملابس الزفاف على سريرهما، فتردد ساهر في أن يوقظها لبضع دقائق قبل أن يستجمع شجعاته ويضربها في كتفها ضربات خفيفة كي تصحو، لكنها كانت قد راحت في النوم تماما..
لم ييأس ساهر وظل يحاول إيقاظ زوجته، التي بدأت تستفيق من نومها، وسألته وهي تفتح عين وتغلق الأخرى عما يريد فأخبرها أن هناك أمر مهم لابد وأن يقوما به سويا ليصبحا زوجين، وحين طلبت منه أن يؤجل ذلك الأمر إلى الصباح، أخبرها أن الموضوع لا يحتمل التأجيل، ففي الصباح سيكون هناك زوار يسألونهما عما حدث..
اعتدلت سهر في جلستها على السرير حتى استعادت إدراكها كاملا، ثم همت واقفة وراحت تخلع ملابسها، فيما كان ساهر قد أحضر لها ملابس أنثوية مثيرة للغاية من الدولاب، فارتدتها على عجل، وكذلك غير هو ملابسه وارتدى بيجاما من الحرير الأزرق.
اقترب ساهر من سهر وجلسا على حافة السرير، واقترب من أذنها هامسا..
- الآن؟
- الآن..
بدا التفاهم واضحا على جهيهما قبل أن يهما قائلين في نفس واحد..
- نقسم بشرف مملكة خوفوا أن نظل على العهد في خوف دائم.. خوف دون مشاعر أخرى قد تفسد علينا حياتنا.. عاش الحاكم وعاشت مملكة خوفو!
رددا القسم، ثم ناما حتى الصباح.