لعازر، هلم خارجًا
في أحد أكثر المشاهد الإنسانية عمقًا، يقف السيد المسيح أمام قبر لعازر، وقد مرَّ عليه أربعة أيام في ظلمة الموت، ليرفع عينيه إلى السماء وينادي بصوتٍ عظيم: "لعازر، هلم خارجًا" (يوحنا ١١: ٤٣). نداء لم يكن مجرد دعوة لعودة الجسد إلى الحياة، بل إعلان إلهي بقيامة الإنسان كله من الموت الداخلي، من العزلة، من الخوف، ومن سجن الذات.
هذا النداء لا يخص لعازر وحده. إنه نداء يومي، يتردد في أعماق كل من يشعر أنه فقد شيئًا من روحه، أو طُمِر تحت أنقاض الشهوات، أو تاه في ظلمة الأنانية.
القيامة الحقيقية تبدأ من الداخل
يخبرنا الإنجيل أن لعازر خرج وهو لا يزال ملفوفًا بأكفانه. لم يُخلعها، لأنه سيعود إلى الموت يومًا ما. أما السيد المسيح، فقد ترك أكفانه خلفه بعد قيامته، لأنه لن يموت ثانية. هنا يكمن الفرق الجوهري: هناك من يقوم جسديًّا، لكنه يظل مربوطًا بأكفانه النفسية، بقيوده الداخلية. وهناك من ينهض إلى حياة جديدة، لا عودة فيها للموت.
في واقعنا اليوم، كم منّا خرج من أزماته، لكنه ما زال يحمل رائحة القبر؟ كم من العلاقات قامت من التعثر، لكنها ما زالت مقيّدة بالخوف والشك والماضي؟ القيامة الحقيقية لا تكون بمجرد الخروج، بل بخلع الأكفان.
"هلم خارجًا" من محبة الذات
هناك قبر إسمه الأنانية.. زوج لا يرى إلا نفسه، زوجة لا تفكر إلا في مشاعرها، علاقات تنهار لأن كل طرف لا يرى إلا احتياجاته الخاصة. في هذا القبر، لا توجد محبة، لأن المحبة، كما يقول الرسول بولس، "لا تطلب ما لنفسها" (١كورنثوس ١٣:٥).
عندما تتمحور الحياة حول الذات، تختنق الروح. الأنانية تسجن الإنسان في دائرة مغلقة من التبرير الذاتي، والمطالبة المستمرة، والخذلان المتكرر. ومثل هذا لا يعرف الحب، ولا يعرف السلام.
"هلم خارجًا" من عبودية الشهوة
في عصرٍ تسيطر عليه الصورة والرغبة واللحظة السريعة، أصبحت الشهوة قبرًا واسعًا: شهوة المال، الظهور، المتعة، الامتلاك، وحتى التقدير. أدوات التكنولوجيا، كالإنترنت ومواقع التواصل، تحوّلت من أدوات للتواصل إلى منصات للمقارنة والحسد والتعب.
الإنسان المعاصر، في كثير من الأحيان، عبدٌ لما يرغبه، حتى إن لم يحتجه. وهنا يقول الإنجيل: "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (٢تيموثاوس ٢: ٢٢).
الخروج من هذا القبر يبدأ بوعي روحي: ما الذي أحتاجه فعلًا؟ ومن أنا خارج رغباتي؟ من لا يتحرر من شهواته، سيبقى في قبرٍ مفتوح، يعيش الموت وهو يظن أنه حي.
"هلم خارجًا" إلى عمل الخير
القيامة لا تكتمل إن لم تُثمر. فكما كان المسيح "يجول يصنع خيرًا" (أعمال ١٠:٣٨)، هكذا يجب على كل من قام من قبره أن يتحرك في اتجاه الآخر. الصلاة، العطاء، الزيارة، الكلمة الطيبة، الاحتواء… كلها أعمال بسيطة لكنها تفتح أبوابًا للنور في حياة الآخرين، وبالتالي في حياتنا.
العالم لا يحتاج إلى المزيد من الكلمات، بل إلى مزيد من الحضور الحقيقي، والتضامن الصامت، والعطاء النقي.
في صلاة الثالث.. نحن من يُقرأ علينا الإنجيل
كثيرون لا ينتبهون إلى أن معجزة إقامة لعازر تُقرأ في صلاة الثالث على المنتقلين. ليست صدفة. فالكنيسة تدرك أن هذا الإنجيل لا يُخاطب فقط الراحل، بل الأحياء الباقين، نحن الذين مازلنا نعيش بين الموت والحياة، بين القبور المفتوحة ومواعيد القيامة.
إنه نداء موجّه لكل قلبٍ تعب، ولكل روحٍ انطفأت، ولكل عقلٍ سقط في الدوائر المغلقة: "هلم خارجًا".. فقد جاء وقت الحياة.
هل نسمع الصوت؟
في زمن فقد فيه كثيرون الاتجاه، وازدادت فيه العزلة والقلق والارتباك، ربما نحتاج أكثر من أي وقتٍ مضى أن نُصغي لذلك الصوت العتيق، العميق، المحرّر: “هلم خارجًا” فإنها ليست مجرد آية من كتاب مقدس، بل دعوة وجودية لكل إنسان أن يُعيد اكتشاف ذاته في حضرة النور، لا في ظلال الأنا. فهل نخرج من قبورنا؟ أم نستمر في العيش، ونحن ما زلنا ملفوفين بالأكفان؟
للمتابعة على الفيس بوك: @PWagiih
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا