الطائفية.. بداية أهوال ما بعد «بشار» من الأسد إلى الفصائل المسلحة.. الإيديولوجيات تتحول إلى معركة بقاء
لطالما كانت الطائفية أحد العناصر المحورية فى الصراع السوري، حيث تشكل الاختلافات الدينية والعرقية مصدرا للانقسامات العميقة داخل المجتمع السوري، حتى قبل أن تندلع الحرب الأهلية فى عام 2011، وتعود جذور الطائفية فى سوريا إلى قرون من التاريخ، حيث كانت الأقليات الدينية والطائفية تتعايش جنبا إلى جنب فى مجتمع سورى متنوع دينيا وعرقيا، ومع ذلك، فإن السنوات الأخيرة، التى شهدت صراعا دمويا دمر البلاد، قد فاقمت من هذه الانقسامات الطائفية بشكل كبير، مما جعلها عنصرا أساسيا فى الصراع السياسى والعسكرى فى سوريا.
تاريخ الطائفية فى سوريا ليس محصورا فى السنوات القليلة الماضية، بل يمتد إلى عقود طويلة من العلاقات المعقدة بين مختلف المجموعات الطائفية والدينية، فمنذ العهد العثماني، كان المجتمع السورى يتألف من مزيج معقد من السنة والشيعة، والدروز، والعلويين، والمسيحيين، والكرد وغيرهم، ورغم أن هذه المجموعات كانت تعيش معا فى ظل توازن هش، كانت تحكمها علاقات غير متكافئة، حيث كانت الحكومات العثمانية والمحلية توزع السلطة والنفوذ على هذه المجموعات بشكل جزئي، مما أضعف الوحدة الوطنية وأدى إلى تعزيز الروابط الطائفية، فإن الطائفية فى سوريا تصاعدت بشكل ملحوظ بعد الاستقلال فى عام 1946، ففى هذه المرحلة بدأ تبلور الدور السياسى للطوائف فى المشهد السوري.
وكان الجيش السورى فى ذلك الوقت يُعتبر قوة محورية فى الحياة السياسية، وأدى تصاعد نفوذ العلويين، الذين كانوا يشكلون أقلية صغيرة، إلى تغيير موازين القوى السياسية فى البلاد.
وفى عام 1970، مع صعود حافظ الأسد إلى السلطة، تمكنت الطائفة العلوية من استلام زمام الأمور فى سوريا بشكل دائم، فبفضل مزيج من الذكاء السياسي، والتكتيك العسكري، وتحالفات مع بعض القوى الإقليمية والدولية، أصبح الأسد ونظامه الطائفى حجر الزاوية فى الحياة السياسية السورية.
وبدأ الأسد باستخدام سياسة الطائفية لترسيخ حكمه، حيث كان النظام يركز على تحالفه مع الطائفة العلوية، مع استبعاد وتعميق الفجوات بين الطوائف الأخرى، مثل السُنة والمسيحيين والدروز، ومع مرور الوقت، أصبح من الصعب الفصل بين السياسة والطائفية فى سوريا، فقد عكست العديد من القرارات السياسية التى اتخذها النظام السورى الانقسامات الطائفية، حيث سعى الأسد طوال فترة حكمه إلى تحصين سلطته عبر تقوية نفوذ العلويين فى الجيش والأجهزة الأمنية، وكان من أبرز الممارسات الطائفية التى اعتمدها النظام تقسيم المجتمع السورى إلى مجموعات متناحرة، واستخدام الولاءات الطائفية كأداة للسيطرة على الشعب السوري، سواء كان ذلك عبر الهيمنة على المناصب العسكرية أو الاقتصادية أو عبر تفضيل مجموعة معينة على أخرى.
الثورة السورية
مع اندلاع الثورة السورية فى عام 2011، حسبما يقول الباحث فى الشأن العراقى والسورى فراس إلياس، انفجرت هذه التوترات الطائفية بشكل لم يسبق له مثيل، إذ تحولت الثورة التى كانت فى بدايتها مطالب شعبية سلمية ضد النظام، إلى صراع دموى شمل كل الطوائف والمجموعات، ففى مرحلة من المراحل، بدأ النظام السورى يروج لفكرة أن الثورة هى “مؤامرة” تهدد وجود الطائفة العلوية، مما أدى إلى زيادة الحواجز الطائفية بين النظام ومعارضيه.
فى المقابل، بدأ العديد من المجموعات المعارضة يتبنون خطابات طائفية مضادة، مما جعل من المستحيل تقريبا التوصل إلى تسوية سلمية وأدى هذا الوضع إلى تصاعد العنف الطائفى بشكل خطير فى معظم مناطق سوريا، حيث عانت المجتمعات السنية فى العديد من المناطق من عمليات قصف وتهجير جماعى من قبل النظام السوري.
الدور الإقليمى والدولي
ومع تعقد الصراع، دخلت العديد من القوى الإقليمية والدولية إلى جانب الأطراف المختلفة، مما عمق الانقسام الطائفي، ففى حين دعمت إيران وحزب الله اللبنانى النظام السوري، لاسيما بسبب الروابط الطائفية العلوية الشيعية، كان هناك دعم كبير من الدول السنية مثل تركيا للمعارضة، وقد ساهم هذا التدخل الدولى فى خلق معسكرات طائفية متنافسة، وأدى إلى تصاعد العنف الطائفى بين السُنة والشيعة فى سوريا، كما أن ظهور تنظيمات مثل “داعش” و”جبهة النصرة” التى تبنت الفكر السلفى المتشدد أضاف بعدا آخر للصراع الطائفي، حيث سعت هذه التنظيمات إلى القضاء على وجود الأقليات الدينية والطائفية.
وأوضح الباحث فى الشأن العراقى أن الطائفية كانت بمثابة معركة محورية فى صراع القوى فى سوريا، حيث تم استغلالها من قبل جميع الأطراف لتعبئة الجماهير وجذبهم إلى صفوفهم، حيث لم تقتصر الحروب الطائفية على حدود سوريا فقط، بل امتدت إلى مناطق أخرى فى الشرق الأوسط، مما جعل الصراع السورى يشكل انعكاسا للصراعات الإقليمية والدولية، ليصبح بذلك ساحة معركة للطائفية، حيث تحالفت القوى الإقليمية والدولية مع مختلف الطوائف ضد بعضها البعض.
تداعيات الطائفية على النسيج الاجتماعى السوري
اليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات من الصراع، يمكن القول إن الطائفية فى سوريا قد أثرت بشكل عميق على النسيج الاجتماعى للبلاد، فقد تعرض العديد من السوريين، خاصة فى المناطق التى كانت تحت سيطرة النظام أو الفصائل المعارضة، لتجربة تقسيم حقيقية فى علاقاتهم مع بعضهم البعض، ما يخلق صعوبة فى عملية إعادة البناء الاجتماعى والسياسى بعد الحرب وأصبحت التحديات التى تواجه سوريا اليوم هى أكثر من مجرد عملية عسكرية أو سياسية لإعادة النظام إلى حالته السابقة؛ بل هى عملية معقدة لإعادة بناء الثقة بين الطوائف المختلفة، وخلق هوية وطنية جامعة فى ظل آثار الحرب الطائفية المدمرة.
ويمكن القول حسبما يقول الباحث فى الشأن العراقى والسورى فراس إلياس إن المستقبل السورى فى ظل الطائفية لا يزال غامضا، فإعادة بناء الدولة السورية يتطلب تجاوز هذه الانقسامات العميقة بين الطوائف، وتفكيك مراكز القوة الطائفية التى أنشأها النظام طوال سنوات حكمه، وهذه المهمة ليست سهلة، فكل طرف يظل متمسكا بمواقفه الطائفية، مما يعيق عملية التوصل إلى حل سياسى شامل. ومع ذلك، يبقى الأمل فى أن ينجح السوريون فى إعادة بناء بلادهم على أسس من العدالة والمساواة، بعيدًا عن الانقسامات الطائفية التى حكمت مصيرهم لسنوات طويلة.
تحولات المشهد السوري
الطائفية فى سوريا لم تكن مجرد عامل فى تاريخ البلاد، بل كانت أيضا إحدى أقوى القوى التى ساعدت فى إشعال الصراع اليوم، فمنذ أكثر من 14 عاما من الحرب المدمرة، التى راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين ودمرت معظم المدن والقرى السورية، يواجه الشعب السورى مرحلة جديدة فى تاريخه، وأضاف فصولًا جديدة للصراع السوري، إذ سقط النظام السورى بقيادة بشار الأسد، الذى ظل حاكمًا لأكثر من عقد ونصف العقد، فى حادثة شكلت مفاجأة كبيرة على المستويين الإقليمى والدولي، ولم يكن هذا السقوط مجرد انهيار سياسى أو عسكري، بل كان نتيجة سلسلة من العوامل الداخلية والخارجية التى تراكمت طوال سنوات الحرب، ليؤذن بمرحلة جديدة من الصراع على السلطة، وإعادة تشكيل سوريا من جديد، كما لم يكن سقوط الأسد مفاجئا فقط فى توقيته، بل أيضا فى الظروف التى شهدتها البلاد فى السنوات الأخيرة فمنذ بداية الحرب، شهدت سوريا تدخلات إقليمية ودولية معقدة، جعلت من الصعب على أى طرف أن يحقق النصر الكامل. كما تعرضت البلاد إلى تدخلات عسكرية من دول كبرى مثل روسيا وإيران، وواجهت مقاومة شرسة من فصائل معارضة مدعومة من عدة دول إقليمية. فى ظل هذا التشابك الدولي، كان الصراع السورى يتحول من أزمة محلية إلى أزمة إقليمية ودولية عميقة، ما جعل حلها أمرًا بعيد المنال.
تحديات سوريا الجديدة
التحولات التى شهدتها المنطقة فى السنوات الأخيرة، وعلى رأسها الصراع الروسى الأوكراني، كان لها دور كبير فى تغيير موازين القوى فى سوريا، حيث أدى هذا الصراع إلى انشغال روسيا بأزمة أوكرانيا، ما انعكس سلبًا على دعمها للنظام السوري، فى ذات الوقت، كانت إيران، التى طالما دعمت الأسد، تواجه ضغوطًا اقتصادية داخلية، وتعرضت مصالحها فى سوريا إلى استهداف من قبل إسرائيل. وقد أجبرت هذه التحولات النظام السورى على تقبل الهزيمة، فى وقت كانت فيه مؤشرات تراجع الدعم الإقليمى والدولى واضحة للعيان.
وتزامن سقوط الأسد مع ظهور قوى جديدة داخل سوريا، فبينما ظل النظام العسكرى يتفكك، كان هناك تصاعد ملحوظ لدور الفصائل المعارضة المسلحة التى تتباين توجهاتها من المعتدلة إلى المتطرفة. وفى هذا السياق، يبدو أن مستقبل سوريا سيكون محط أنظار العالم، خاصة فى ظل تسارع الأحداث التى دفعت البلاد إلى مرحلة مفصلية، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية بشكل معقد.
وسط هذا التغيير الكبير فى المشهد السياسى والعسكري، لا تزال سوريا تواجه تحديات ضخمة فى عملية الانتقال نحو مرحلة جديدة من السلام والاستقرار، فمع تدمير البنية التحتية، والانقسامات الطائفية والعرقية، وتحديات إعادة البناء الاجتماعى والسياسي، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لسوريا أن تنهض من تحت أنقاض الحرب وتستعيد وحدتها؟
فالمرحلة الانتقالية بعد سقوط الأسد ستكون مليئة بالتحديات، ولكن هناك أيضًا فرصة كبيرة لتجاوز هذه الصعوبات، بشرط أن تتبنى الأطراف الفاعلة فى الأزمة السورية رؤية جديدة تقوم على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية. فإعادة بناء مؤسسات الدولة ستكون خطوة أساسية، وخاصة الجيش السورى الذى يعد من أبرز المؤسسات التى يجب إصلاحها وإعادة هيكلتها لتكون جزءًا من الدولة المدنية الوطنية التى تسعى إليها جميع الأطراف.
إعادة بناء الجيش السوري، الذى دمرته سنوات الحرب، تعد من أولويات المرحلة الانتقالية، فوجود جيش سورى محايد ونظامي، بعيد عن أى صبغة طائفية، سيكون عاملًا رئيسيًا فى الحفاظ على استقرار البلاد والتحدى الكبير هنا يكمن فى إقناع مختلف الفصائل المسلحة والمجتمع المدنى بأن الجيش يمكن أن يمثل الجميع، وليس طائفة أو مجموعة معينة.
وأكدت كلمة أبو محمد الجولاني، داخل المسجد الأموى ليلة هروب الأسد، والتى أعلن فيها أنه مسلم أشعري، وجهة النظر حول عائق المذاهب والطوائف فى بناء الدولة الجديدة، واعتبروا أن تطرق زعيم هيئة تحرير الشام لهذه النقطة، ربما يكون الهدف منه استقطاب قاعدة جماهيرية وبث رسالة طمأنة لجميع مكونات المجتمع السوري، حيث إن المذهب الأشعرى يعتبر أكثر قبولًا بين بعض الفئات فى المجتمع الإسلامى مقارنة مع السلفية الوهابية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا