رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة "قاضي الشريعة" الإمام الشافعي (3 – 5)

مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة "قاضي الشريعة" الإمام الشافعي، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

واجه الإمام الشافعي أزمة كادت تودي بحياته في زمن هارون الرشيد، لكنه نجا منها بفضل فصاحته، وبلاغته، وعلمه.. ثم حاولت حاشية الحاكم أن تستميله، بالعديد من الإغراءات لكنه رفض زهدا في المناصب، وتجنبا للصراعات، وآثر التفرغ للعلم.

 

مناظراته العلمية

كانت للشافعي في هذه المرحلة مناظراتٌ علميةٌ مشهودةٌ مع محمد بن الحسن وغيره، وقد أعجب الرشيدُ بمنطق الشافعي وقوة حجته، وبلغ صيتُه كل أهل العراق، وتحدثت عنه كتب الفقه والحديث والتاريخ.


وقد حاول محمد بن الحسن أن يجذبه إلى صف الخليفة، الذي عرض عليه أن يوليه القضاء أو يجعله واليًا على أي بلاد يختارها، لكنه آثر البقاء بعيدا عن المناصب والصراع السياسي، فاستعفاه واستأذنه في التفرغ للعلم، فأقبل على علوم الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وغيرها، ثم استأذنَ في العودة إلى مكة.
وعدّ بعض العلماء هذه المحنة سببا في ابتعاده عن الولاية والسلطان، فقد رفض تولي القضاء وتفرغ للعلم بعدما أكرمه هارون الرشيد بمالٍ وفيرٍ، تصدَّقَ بنصفه على فقراءِ مكة تنفيذا لوصية والدته، ودبّر أمور معيشته بالباقي.

في بغداد ثانية

مكثَ نحو تسع سنوات في مكة يُلقي دروسه في الحرم المكي، ويلتقيه كبار العلماء في موسم الحج، ثم سافر مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ، فأقبل عليه العلماء والمحدثون وأهل الرأي، وأصبح لديه تلاميذ وأتباع بالعراق، من أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل، الذي لم يفارق مجلسه بجامعها الغربي. 
وهناك ألف كتاب "الرسالة" الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، أي شروط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص وغير ذلك.
ولما تولى المأمون الخلافة، عزم الشافعي على الرحيل لما لاحظه من غلبة الفرس ونفوذهم في دوائر الحكم، وتشجيع الحاكم الجديد على الفلسفة والترجمة، والخوض في علم الكلام الذي كان ينهى عنه، ويقول: "ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح".


وعرض عليه المأمون تولي القضاء فاستعفى واستأذن للسفر إلى مصر سنة 199هـ/ 815م.

طالع للمزيد: مقامات ومزارات.. تفاصيل الصدام بين هارون الرشيد والإمام الشافعي

 


 

آنذاك خرج أهل بغداد لوداعه، ومنهم أحمد بن حنبل وهو ممسكٌ بيده، فقال له الشافعي:
"لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر.. ومن دونها أرض المهام والفقر
ووالله لا أدري أللعز والغنى.. أُساق إليها أم أساق إلى القبر"
فبكى الإمام أحمد، ورافقه في سفره ثُلَّةٌ من تلاميذه، منهم: ابن الزبير الحميدي والربيع. 
ولما وصل إلى مصر ألقى الدروس بجامع عمرو بن العاص، فتعلَّق به الناس وأحبوه، وأقام بين ظهرانيهم أربع سنين ونيّفًا، أعاد فيها كتابة مصنفه "الرسالة"، وراجع عددا من آرائه وأقواله في كتبه ونقحها على ضوء ما حصَّله من العلم عبر رحلاته، لا سيما في المدينة والعراق، فأفاد من محاسن مدرستيْ أهل الرأي وأهل الحديث، ليؤسس مدرسة جديدة تجمع بينهما. ويسَّر الله له تلاميذ نشروا علمه ومذهبه.

شيوخ الشافعي

تلقى الشافعي الفقه والحديث على شيوخ قد تباعدت أماكنهم، وتخالفت مناهجهم، حتى لقد كان بعضهم معتزليًا ممن كانوا يشتغلون بعلم الكلام الذي كان الشافعي ينهى عنه، ولقد نال منهم ما رآه خيرًا، فأخذ ما يراه واجبَ الأخذ، وترك ما يراه واجبَ الرد. لقد أخذ الشافعي عن شيوخ بمكة وشيوخ بالمدينة وشيوخ باليمن وشيوخ بالعراق، ومشايخُه الذين روى عنهم كثيرون، أما المشهورون منهم والذين كانوا من أهل الفقه والفتوى فهم عشرون، خمسة مكية، وستة مدنية، وأربعة يمانية، وخمسة عراقية.

مسجد الإمام الشافعي، فيتو
مسجد الإمام الشافعي، فيتو

أما الذين من أهل مكة فهم:

سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي.. مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.. سعيد بن سالم القداح.. داود بن عبد الرحمن العطار.. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
وأما الذين من أهل المدينة فهم:
مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني.. إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.. عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي.. إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي.. محمد بن أبي سعيد بن أبي فُدَيْك.. عبد الله بن نافع الصائغ.
وأما الذين من أهل اليمن فهم:

مُطَرَّف بن مازن الصنعاني.. هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء.. عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي.. يحيى بن حسان بن حيان التنيسي البكري، وهو صاحب الليث بن سعد.
وأما الذين من أهل العراق فهم:
محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي.. وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي.. حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري.. عبد الوهّاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري.
ومن هذا السياق يُستفاد أن الشافعي قد تلقى العلم على عدد من الشيوخ أصحابِ المذاهب والنزعات المختلفة، وبذلك يكون قد تلقى فقهَ أكثرِ المذاهب التي قامت في عصره، فتلقى فقه الإمام مالك عليه، وكان هو الأستاذ في شيوخه، وتلقى فقه الأوزاعي عن صاحبه عمرو بن أبي سلمة.
وتلقى فقه الليث بن سعد فقيه مصر عن صاحبه يحيى بن حسان، ثم تلقى فقه أبي حنيفة وأصحابه على محمد بن الحسن الشيباني. وهكذا اجتمع له فقه مكة والمدينة والشام ومصر والعراق، ولم يجد حرجًا في أن يطلب الفقه عند من اشتهر بالاعتزال وعُرف أنه لا يَسلُكُ في طلب أصول الاعتقاد مسلك أهل الحديث والفقه، وإن رحلاتِه العلميةَ جعلته لا يقتصر في دراسته على فقهاء أهل السنة والجماعة الذين دخلوا في طاعة الخلفاء، بل كان يدرس آراء الشيعة وغيرِهم، ويظهر أثر ذلك في ثنائه على بعض علمائهم.

أصول مذهبه الفقهي

كان الشافعي على مذهب شيخه الإمام مالك بن أنس، لا يخرج عنه في الفتوى، لكن رحلته العلمية مكنته من الاطلاع على أحوال غير التي كانت سائدة بالحجاز، ولا سيما في العراق، حيث كثرة الملل والمذاهب والنحل واختلاط الأعراق والقبائل، فاكتسب مزيدا من العلم ورأى أن طرق بناء الفتوى تُدخل الواقع في الاعتبار ومنهج النظر في النوازل.
وأسهم ذلك كله في تأسيس مذهب خاص به في الاجتهاد وبناء الأحكام الشرعية في العراق، ثم لما يرحل إلى مصر واستقر بها وتبنى مذهبا جديدا يجمع فيه بين منهجي أهل الحديث وأهل الرأي، بعدما راجع كثيرا من آرائه وفتاواه الفقهية التي قال بها في العراق، كما أعاد تصنيف عدد من كتبه، خاصة "الرسالة" و"الأم"، وهذا ما يفسر ما تتضمنه كتب الشافعية من عبارات "قول الإمام الشافعي في مذهبه الأول (المذهب العراقي) أو قوله في مصر أي في مذهبه الثاني".
أقام الشافعي مذهبه الفقهي -الذي توفي عليه- على خمسة أصول مضبوطة فصلها في كتابيه "الأم" و"الرسالة" وهي:
الأصل الأول: كتاب الله تعالى الذي يحتاج إلى معرفة باللغة العربية ومعانيها وأسرارها.
الأصل الثاني: السنة النبوية ولو كان راوي الحديث واحدا، شريطة أن يكون ثقة في دينه معروفا بالصدق حافظا عالما بما يحدث به، بريئا من التدليس في روايته، متصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأصل الثالث: الإجماع كأن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا يُعلم له مخالف.
الأصل الرابع: يقدم قول الصحابي ويفضله بدل إعمال الرأي إذا لم يجد في الكتاب والسنة والإجماع مراده.
الأصل الخامس: القياس الذي اعتبره مرادفا للاجتهاد وأعلى مراتبه.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية