رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا لا تجد بائعة الجبن مكانا في عالم الشاركس؟

قبل أيام تابعت سجالًا محتدمًا بين أحد أصحاب الشركات الناشئة، ومستثمري برنامج «شاركس تانك مصر» الشهير المخصص لرواد الأعمال، وكان اللقاء أشبه بمبارزة معلوماتية واستعراض في الكفاءة.

انتهى السجال على عكس ما كان يقصد ‏المتسابق غالبًا، إذ فشل في الحصول على ثقة الجميع باستثناء عرض وحيد ‏من أحد كبار رجال الأعمال المشاركين، وقرر رفضه أيضًا، ليخرج بلا منفعة، فقط «دشملهم الإيجو» كما قال أحد المغرمين بتأليف المعارك الطاووسية على ‏مواقع التواصل الاجتماعي.

بدا الأمر على السوشيال ميديا كأنه مبارزة بين عالمين، أحدهما ‏يمثل القاعدة العريضة من الناس، والآخر يمثل عالم الشاركس، مع أن السجال لم يكن يعبر بالضرورة عن صراع حقيقي، فالشاب المتسابق ابن نفس الدوائر التي اعتبرها الغالبية منفصلة عنهم، وخريج واحدة من أكبر الجامعات الخاصة التي تهدف إلى إعداد رجال أعمال المستقبل، ولا يمكن اعتباره أبدًا رمزًا للصراع الطبقي الذي طغى على النقاشات.

من هنا يبدأ السؤال الجوهري: هل هناك عالم آخر بالفعل لا تصل إليه أضواء الشاركس، ربما لأن هناك انفصالا طبقيا وثقافيا بينهم؟  

الإجابة نعم، هناك ‏عالم آخر حقيقي، ويمتلئ بآلاف القصص لأبناء السوق غير الرسمي أو بيزنس الظل، وقد تكون فرصة نادرة لإلقاء الضوء عليهم، إذا كان هناك حاجة للنقاش من هذه الأرضية.

أستدعي من الذاكرة مشاهد لا أنساها في منطقة فيصل بالجيزة، حيث قضيت فيها سنوات قبل أن أنتقل منها. عند الفجر وحتى آخر اليوم كان يلفت ‏نظري بشدة بائعات الجبن والبيض القادمات من محافظات مختلفة ويجلسن على جانبي الشوارع بطشت صغير مع بعض ربطات الخضار، يرتدين ثوبًا ‏بسيطًا، ويحتمين بمظلات متهالكة من الشمس في الصيف، أو يجلسن بلا أي حماية تحت مطر الشتاء، في مشهد يومي متكرر لا يشعر به أحد.

وأنا أتأمل هذه المفارقة سألت نفسي: لماذا لا يلتفت الشاركس لأبناء الاقتصاد العشوائي؟ هؤلاء النساء ‏لا يعرفن شيئًا عن البيزنس موديل أو الفالويشن، ولا يملكن ‏المهارة الكافية لمضاعفة أرباحهم، ورغم ذلك تحملهن الحياة كل صباح على قطع مئات الكيلو مترات بـ«طشت الجبن والبيض» في معركة كفاح قاسية من أجل البقاء.

سرحت قليلًا، وتخيلت أن الشاركس فتحوا أبواب البرنامج لسيدة قادمة من سوق عشوائي تقف أمامهم وهي تحمل طشت الجبن ‏وربطات البقدونس، تروى لهم كيف تخرج يوميًا في هذا التطاحن لتأمين قوت أسرتها، وتحتاج إلى مساعدة لتطوير مشروعها وزيادة رأس مالها الذي لا يتغير مهما حاولت، لكنها تستمر. ‏

يحتفي التاريخ بالنماذج التي استثمرت في الإنسان، مشاريع التمويل متناهي الصغر التي تبناها أبناء دول مثل الهند وبنجلاديش كانت ملهمة للعالم، مبادرات بنك جرامين الذي أسسه البنجلاديشي محمد يونس، أحد الاقتصاديين العظام، ساعدت ملايين المهمشين، ومنهم مئات الآلاف من النساء، على تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ورفع مستوى معيشة أسرهم، وكُرم الرجل بما يستحق في النهاية وحصل على جائزة نوبل للسلام.  

المشاريع التي دعمها يونس وغيره لم تكن تبحث عن أرباح ضخمة، لكنها نجحت في بناء اقتصادات صغيرة مستدامة وذات أثر اجتماعي غير مسبوق، والسؤال: هل يستطيع الشاركس تبني رؤية تجعلهم شركاء في بناء قصص نجاح حقيقية على نفس الشاكلة؟

إذا التفت «شاركس تانك» إلى هذه القيمة، ونجح في تبني فكرة مشابهة، يمكن أن يتحول إلى حالة مصرية تعيد تشكيل ثقافة الاستثمار في المنطقة، وكما يسعى المستثمرون لمضاعفة أرباحهم، يمكنهم أيضًا المساهمة في بناء إنسان أكثر استقرارًا وقدرة على المشاركة في دفع عجلة التنمية.

لن يتخيل الشاركس أوسمة التقدير والمحبة التي سيحملونها طيلة حياتهم، بل وبعد الرحيل، من هؤلاء الذين يعتبرونهم اليوم خصومًا لهم، لو قرروا الاستثمار في هذه النماذج التي تملك شغفًا لا ينطفئ، وإرادة لا تعرف الانكسار، مهما كانت قسوة الظروف.

إذا أعاد شاركس وبرامج رواد الأعمال الأخرى النظر في استراتيجياتهم، وخصصوا مساحة لدعم هذه الفئات المهمشة، وتقديم المساعدة في تطوير أعمالهم، فإن الأثر وقتها سيتجاوز أحلام اليقظة، ولن تكون تلك المشروعات مجرد محاولات فردية للنجاة من شرور الفقر، بل ستتحول إلى بذور مشروعات مستدامة.

تكاتف الجهود بين أصحاب الخبرة والحكومة قد يجعل هذه المبادرات تعالج جذور أزمة الاقتصاد غير الرسمي المزمنة في مصر، كما سيتحول الشاركس إلى نموذج جديد كليًا، رجال أعمال أكثر شمولًا وإنسانية، وعقول وطنية تسهم في بناء الإنسان.

على يقين أن معظم نجوم البرنامج يمتلكون نزعة إنسانية واضحة، ويجتهدون في مساعدة من يملك الحلم والاستعداد لتحقيقه، حتى لو كانت قدراته أقل من المطلوب، فكل واحد منهم يستطيع تحويل التراب إلى ذهب.. 

لذا هذه ليست دعوة للاستثمار في مشاريع ضعيفة الربح، بل هي نداء للاستثمار في الإنسان، فالاقتصاد الذي لا يحمل بداخله دفء الحكايات البسيطة، وصوت من يقفون في الظل ينتظرون أي فرصة طائشة لتحقيق أحلامهم، لا يمكن أن يكون له قيمة حقيقية في بناء حياة أكثر عدالة للجميع!

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية