رئيس التحرير
عصام كامل

د. صلاح عبية: نفوذ أمريكا سيتراجع خلال 6 سنوات.. والصين ستصبح إمبراطورية كبيرة قريبًا وتشكل تحالفًا قويًا مع الاتحاد الأوروبى وروسيا ( حوار )

الدكتور صلاح عبية
الدكتور صلاح عبية

>> صعود وسقوط القوى العظمى طبيعي عبر التاريخ 
>> الإمبراطورية البريطانية كانت قوة لا تُقهر ولكنها شهدت تراجعًا حادًا بعد الحرب العالمية الأولى 
>> الصين بفضل استثماراتها الضخمة وبنيتها التحتية المتطورة أصبحت قوة علمية لا يمكن تجاهلها
>> نشهد تحولًا كبيرًا فى الخريطة البحثية العالمية ومراكز البحث الرئيسية لن تتأثر لهذا السبب
>> اختفاء الولايات المتحدة الأمريكية كليًا فكرة بعيدة المنال فى المدى القريب
>> أمام الدول النامية فرصة حقيقية لتعزيز قدراتها البحثية والعلمية
>> يجب على الدول النامية بناء شراكات استراتيجية مع القوى الصاعدة 

>> تحقيق الاكتفاء الذاتى هو الركيزة الأساسية لبناء قوة اقتصادية وعسكرية مستقرة

>> الدول التى تعتمد على استيراد المواد الأساسية أكثر عرضة للابتزاز والضغوط الخارجية
>> أتوقع ظهور شراكات جديدة بين الدول النامية والكتل الاقتصادية الصاعدة مثل البريكس والاتحاد الأوروبي

 

لطالما كانت الولايات المتحدة القوة الدافعة الرئيسية للابتكار العلمى والتكنولوجى على مستوى العالم، حيث ساهمت بشكل كبير فى تطوير العديد من التقنيات التى شكلت حياتنا اليومية. 
ولكن، ماذا لو تغير هذا الوضع؟ ماذا لو شهدنا تراجعًا فى الدور الأمريكى الريادى فى مجال العلوم والتكنولوجيا؟

 

هذا السؤال المحورى هو محور حوار "فيتو" مع الدكتور صلاح عبية، أحد أبرز العلماء العرب فى مجال الهندسة والفيزياء، والحائز على العديد من الجوائز والتقديرات العلمية، ومدير مركز الفوتونات بمدينة زويل العلمية، 


ويكشف الدكتور صلاح عبية الآثار المحتملة لغياب الولايات المتحدة كقوة مؤثرة فى مجال العلوم والتكنولوجيا، وسنتناول مجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من تأثير ذلك على البحث والتطوير وصولًا إلى التغيرات المتوقعة فى النظام العالمي.. فإلى نص الحوار:

 

*بالنظر إلى التاريخ الحديث، خاصةً سقوط الإمبراطوريات الكبرى مثل الإمبراطورية البريطانية، هل تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها القوة العالمية المهيمنة حاليًا، معرضة لتراجع مماثل؟

السؤال ممتاز، وهو يسأل عن جوهر التغيير فى النظام الدولي، فإذا نظرنا إلى التاريخ، سنجد أن صعود وسقوط القوى العظمى أمر طبيعي، فالإمبراطورية البريطانية، على سبيل المثال، كانت قوة لا تُقهر، ولكنها شهدت تراجعًا حادًا بعد الحرب العالمية الأولى،

وأعتقد أن فكرة اختفاء الولايات المتحدة الأمريكية كليًا هى فكرة بعيدة المنال فى المدى القريب، فالولايات المتحدة هى أكثر من مجرد دولة؛ إنها قوة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية هائلة، شبكتها من التحالفات، ونفوذها الثقافي، واستثماراتها العالمية تجعلها قوة صعبة الإزاحة،

ومع ذلك من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة تراجعًا نسبيًا فى نفوذها، وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن هذا التراجع سيحدث خلال 6 سنوات، وهذا التراجع ليس أمرًا مفاجئًا، بل هو نتيجة طبيعية للتاريخ، كما رأينا فى حالة بريطانيا.

مع العالم الكبير الراحل أحمد زويل 
مع العالم الكبير الراحل أحمد زويل 

*هل ستتأثر مراكز البحث العالمية الرئيسية بغياب الولايات المتحدة؟

أعتقد أنه لن يحدث تأثير كبير، فالصين على سبيل المثال أصبحت إحدى القوى المهيمنة فى تجمع بريكس، والقيادة السياسية لدينا منتبهة لكل هذه التغيرات، فأصبحت مصر أيضا من الدول الرائدة فى البريكس، وأتوقع أنه خلال 6 أو 7 سنوات.

*هل تتوقع أن نشهد تحولًا فى الخريطة البحثية العالمية؟ وهل ستؤدى هذه التحولات إلى نشوء مراكز بحثية جديدة تنافس أو حتى تتجاوز تلك الموجودة فى الولايات المتحدة؟ وما المناطق الجغرافية التى من المحتمل أن تشهد هذا النمو فى البحث العلمي؟

نعم، نحن نشهد بالفعل تحولًا كبيرًا فى الخريطة البحثية العالمية، فالصين، بفضل استثماراتها الضخمة فى البحث والتطوير، وبنيتها التحتية العلمية المتطورة، وقوتها العاملة الكبيرة والمتعلمة، أصبحت قوة علمية لا يمكن تجاهلها، 
فأتوقع أن دولة مثل الصين ستصبح أمبراطورية كبيرة فى القريب العاجل جدا، تصل إلى أنها تساهم بحوالى 30% من البحث العلمى فى العالم كله، وسينطبق هذا على كل مناحى الحياة وليس البحث العلمى فقط، فأيضا الصناعة والتجارة والزراعة إلى آخره ستكون الصين لها دور كبير ومحورى جدا فيها.

*كيف سيؤثر غياب الولايات المتحدة على التعاون الدولى فى مجال البحث العلمي؟ وهل ستنشأ تحالفات جديدة بين الدول؟

تراجع الدور الأمريكى سيؤدى إلى نظام بحثى عالمى أكثر توزيعًا وتنافسية، وأحد السيناريوهات المحتملة هو تشكيل تحالف قوى بين الاتحاد الأوروبى وروسيا والصين، 
وقد يتحقق هذا السيناريو فى أعقاب انتهاء الحرب فى أوكرانيا، والتى من المتوقع أن تشهد قريبا تحولًا فى المواقف الدولية، فبعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، أصبح البند غير المشروط لدعم أوكرانيا محل تساؤل، مما يفتح الباب أمام حلول تفاوضية ويجمع هذا التحالف بين اقتصادات قوية تساهم بنسبة كبيرة فى الإنفاق العالمى على البحث والتطوير،

فالاتحاد الأوروبى يساهم بنصيب 17% من البحث العلمى والصين 29%، أى أن الاتحاد الأوروبى والصين وحدهما يمثلان نحو 50% من إجمالى الإنفاق العالمى على البحث العلمي، وسيغطى هذا التحالف مجموعة واسعة من المجالات البحثية المتقدمة، مثل النانوتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية والفوتونات.

*مع التحولات الجارية فى النظام الدولي، وما يشهده العالم من صعود لقوى جديدة، ما هو الدور المنتظر للدول النامية فى هذا السياق؟ وكيف يمكن لهذه الدول الاستفادة من هذه التحولات لتعزيز مكانتها فى مجال البحث العلمى والابتكار؟

الدول النامية تمتلك إمكانات هائلة يمكن أن تسهم بها فى دفع عجلة التقدم العلمى والتقني، ففى هذه الدول توجد ملايين العقول الشابة والمبدعة التى تسعى للإبداع والابتكار،

ورأينا خلال جائحة كورونا، على سبيل المثال، كيف ساهم علماء من الدول النامية فى تطوير حلول مبتكرة لمواجهة هذا التحدى العالمي، 
لكن يجب على الدول النامية أن تبنى شراكات استراتيجية مع القوى الصاعدة مثل روسيا والصين، وكذلك مع دول الاتحاد الأوروبي، هذه الشراكات يمكن أن تساهم فى تبادل المعرفة والخبرات، وتوفير التمويل اللازم للبحث والتطوير، يجب أيضا على هذه الدول أن تستثمر بكثافة فى التعليم والبحث العلمي، وأن تعمل على بناء بنية تحتية علمية متطورة، والتركيز على تطوير القدرات البشرية، وتشجيع الشباب على الابتكار والريادة ويجب على الدول النامية أن تعزز التعاون فيما بينها، وأن تعمل على تكوين كتل إقليمية قوية.

*هل تتوقع أن تتأثر مصادر تمويل البحث العلمى العالمي؟ وهل ستشهد هذه المصادر تحولات جوهرية؟ وما هى التحديات التى قد تواجهها هذه التحولات؟

التراجع النسبى للولايات المتحدة كقوة مهيمنة سيفتح الباب أمام تحولات جوهرية فى آليات التمويل، فسيكون هناك دور متزايد للمؤسسات الدولية مثل: البنك الدولى وصندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى بنوك التنمية الإفريقية التى ستحظى بفرصة أكبر للعب دور أكثر فاعلية فى تمويل البحث العلمي، خاصة فى الدول النامية،

ومن المتوقع أن نشهد ظهور شراكات جديدة بين الدول النامية والكتل الاقتصادية الصاعدة مثل البريكس والاتحاد الأوروبي، وهذه الشراكات يمكن أن تؤدى إلى إنشاء صناديق تمويل مشتركة لدعم البحث العلمى فى مجالات ذات أولوية مشتركة، وأيضا سيزداد دور القطاع الخاص فى تمويل البحث العلمي، خاصة فى مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وستلعب الشركات الكبرى والصناديق الاستثمارية دورًا محوريًا فى توجيه الاستثمارات نحو المشاريع البحثية الواعدة.

وأعتقد أن هذه التحولات تمثل فرصة تاريخية للدول النامية لتعزيز قدراتها البحثية، فمن خلال بناء شراكات قوية والاستفادة من الموارد المتاحة، يمكن لهذه الدول أن تساهم بشكل فعال فى حل التحديات العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة، 
ولكن يجب على الدول النامية أن تستغل هذه الفرصة بحكمة، وأن تبنى مؤسسات بحثية قوية، وأن تستثمر فى بناء القدرات.

*كيف ستتأثر مختلف التخصصات العلمية؟ وما هى التخصصات التى من المتوقع أن تشهد نموًا ملحوظًا، وأخرى قد تشهد تراجعًا؟ وما هى العوامل التى ستؤثر على هذا التوزيع؟

اسمحى لى أن أحكى القصة منذ بدايتها، ففى الفترة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت تلك الفترة مهمة جدا فى إعادة تشكيل العالم سياسيا وإعادة تشكيل طريقة تفكيره، 
فكانت الجامعات حتى هذه الفترة هى جامعات الجيل الأول التى تعتقد أن وظيفتها تعليمية فقط ونخريج المهندسين والأطباء وغيرهم، أو المساهمة بالبرامج المفتوحة التى تسهم فى تثقيف المجتمع وإطلاعه على ما يحدث من ابتكارات وفنون وخلافه،

لكن عندما أدركت الدول التقدم الجبار الذى صنعته ألمانيا بقيادة هتلر، والاختراعات التى أذهلت العالم فى الحرب، بدأ التفكير يتوجه فى أن يكون للجامعات دور فى البحث العلمي، وتفوقت فى هذه المهمة الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت دائما تركب الموجة فى الوقت المناسب لتقود، فأقامت جيلا من الجامعات التى تسمى الآن بجامعات الجيل الثانى أو الجامعات البحثية التى كانت وظيفتها الأولى البحث العلمي، 
وعندما نظروا للبحث العلمى نظروا له نظرة صحيحة وسليمة، ليس فقط كونه حلا لمشكلة، ولكن من خلال ضخ أموال ضخمة جدا فى العلوم الأساسية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وهى الأساس القوى للعلوم التطبيقية، لكن نتيجة التقدم العلمى الضخم صاحب هذا تقدم صناعي، ودائما ما يكون هدف الشركات الأساسى هو الربح فبدأوا يوجهون التمويل لصالح الأبحاث التطبيقية، وتراجعت البحوث الأساسية بشكل كبير، 
وهنا تظهر الصين مرة أخرى كبديل والتفتت إلى هذه المشكلة وضخت أموالا ضخمة جدا فى تمويل العلوم الأساسية، ومع ذلك لم تهمل الصناعة، فبالعكس مازالت تحافظ على التقدم الصناعى وانتقل هذا إلى تايوان وكويا الجنوبية

وأتوقع أن التخصصات التى ستشهد نموًا هى الذكاء الاصطناعى وعلوم البيانات، فستشهد هذه المجالات نموًا متسارعًا.


*كيف سيؤثر غياب الولايات المتحدة على الجهود المبذولة لمكافحة التغير المناخى باعتبارها أكثر الدول تسببا فى التغيرات المناخية؟

تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر الدول المساهمة فى انبعاثات غازات الدفيئة، وغيابها بالتأكيد سيساهم فى جزء من إعادة التوازن البيئي، كما أن انسحابها من الاتفاقيات الدولية قد يؤدى إلى تراجع طفيف فى الانبعاثات العالمية،

لكن على جانب آخر على الدول الأخرى أن تتعاون بشكل أكبر لملء الفراغ الذى سيتركه غياب الولايات المتحدة، وأن تسعى إلى تطوير آليات جديدة للتعاون المناخي.

*ما الدروس التى يمكن أن نتعلمها من التاريخ حول صعود وسقوط القوى العظمى؟

تؤكد دراسة تاريخ القوى العظمى على أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتى كركيزة أساسية لبناء قوة اقتصادية وعسكرية مستقرة، فالدول التى تعتمد على استيراد المواد الأساسية تكون أكثر عرضة للابتزاز والضغوط الخارجية،

لذا فإن بناء اقتصاد متنوع وقوى يعتمد على الإنتاج المحلى يضمن استدامة التنمية ويحمى الدولة من الصدمات الاقتصادية العالمية، فكما يقول المثل: “من زرع حصد”، ومن استثمر فى الإنتاج المحلى حصد الاستقرار والازدهار،

لذا يجب ان تلتفت الدول إلى منظومة الإنتاج لديها، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من المواد الأساسية التى لا يمكن الاستغناء عنها، سواء المواد الغذائية، الصناعات البسيطة، الأدوية، الملابس، المنسوجات، وخلافه.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية