رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة الإمام الحسن سبط رسول الله (5 – 5)

مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة الإمام الحسن سبط رسول الله، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

بعد اتفاقه مع معاوية غادر الحسن الكوفة، وعاد بأهله نحو المدينة التي وُلد وترعرع فيها. 

وكالعادة، لم يكن معاوية ليدع هذه الفرصة الفريدة لتمر دون أن يستثمرها في تأسيس مُلك بني أمية. 

أراد معاوية أن يورِّث ابنه يزيد الخلافة من بعده، ولكن وجود الحسن يعرقل طموحاته ويفسد أحلامه. لذا لم تكن من وسيلة لتسهيل انتقال الخلافة من الأب لابنه سوى الإطاحة بالحسن.

المؤامرة 

اتفق معاوية مع إحدى زوجات الحسن، واسمها جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، على تسميم الحسن في شرابه مقابل مائة ألف درهم وتزويجها من يزيد.

فلما مات سيدنا الحسن، رضي الله عنه، وفى لها معاوية بالمال، ولكنه لم يزوجها من ابنه خشية أن تدس له السم هو الآخر!

وكان اختيار معاوية لبنت الأشعث دون غيرها ينم عن براعته في قراءة ما تخفيه النفوس، وفي دغدغة ما يحرك أهواءها. 

فوالد جعدة هو الأشعث من سلالة ملوك كندة، وكان قد أسلم زمن النبي كرهًا، ثم ارتد زمن أبي بكر ثم عاد فأسلم خوفًا. أسلم الرجل ظاهرًا، وما لمس الإيمان روحه وما أضاء قلبه بنوره. 

أما الابنة جعدة فهي مثل أبيها لايزال فيها حنينٌ دفينٌ لأبهة الملك وعظمة السلطان. ولا شك أنها وجدت في الزواج من يزيد سلمًا تصعد به إلى ذروة المجد والملك.

هذه الواقعة مذكورة في مصادر التاريخ والحديث كابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والسيوطي في "تاريخ الخلفاء"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وابن الأثير في "أُسد الغابة"، والبلاذري في "أنساب الأشراف"، وابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الصحاب"، والمسعودي في "مروج الذهب"، والدينوري في "الأخبار الطوال"، والأصبهاني في "مقاتل الطالبيين". 

اقرأ أيضا: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة الإمام الحسن سبط رسول الله 

ومن المستبعد أن يتواطأ أصحاب هذه المؤلفات على تلفيق هذه التهمة لمعاوية وتجريمه، خصوصًا وأن الأخير كثيرًا ما أزاح مناوئيه من منافسته بواسطة السم الذي برع في تركيبه طبيبه السرياني ابن آثال.

لقد تكررت مؤامرة السم في دولة بني أمية، حيث مات به معاوية الأصغر، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وغيرهما من ملوك الأمويين، ومعارضيهم.

عن عمران بن عبد الله، قال: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه "قل هو الله أحد"، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب، فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله. قال: فلم يلبث الحسن بعد ذلك إلا أياما حتى مات.

مرض ووفاة الحسن بن علي

عانى ألمًا شديدًا قبل الموت بسبب السم الذى دُسّ له. 

وننقل الحكاية، كما جاءت على لسان عمر بن إسحق، الذى قال: "كنت مع الحسن والحسين فى الدار، فدخل الحسن المخرج، (أى الحمام فى مصطلحاتنا الحديثة)، ثم خرج، فقال: "لقد سُقيتُ السمّ مرارًا، ما سُقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدي، فقال له الحسين: "ومَن سقاك؟"، فقال: "وما تريد منه؟ أتريد قتله؟ إن يكن هو هو، فالله أشد نقمة منك، وإن لم يكن هو، فما أحب أن يؤخذ بى بريء".

ويحكى زياد المخارقى أنه: "لما حضرت الحسن الوفاة، استدعى الحسين، وقال: "يا أخى، إنى مفارقك، ولاحق بربي، وقد سُقيت السمّ، ورميت بكبدى فى الطست، وإنى لعارف بمَن سقانى السُّمَّ ومن أين دُهيت، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقّى عليك، إن تكلّمت فى ذلك بشىء".

وأضاف: "أنا فى آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، على كره منى لفراقك وفراق إخوتى"، ثم استدرك قائلًا: "أستغفر الله، على محبة منى للقاء رسول الله، صلى الله عليه وآله..".

يقال: إنه كان سُقِيَ (السُّمَّ)، ثم أفلت (لم يمت)، ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطَّع السمُّ أمعاءه. فقال الحسين: يا أبا محمد، أخبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك، أو لا أقدر عليه، أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي، إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله. وأبى أن يسميه. 

وعلى ما يبدو فإن الحسن عرف بعدما اشتد عليه المرض ودنت منه المنية أن معاوية هو من دس له السم لكنه لم يفصح عنه خوفًا من تجدد الحرب واشتعالها بين أنصاره وبني أمية.

 وصية الإمام الحسن

ثم طلب الحسن من أخيه الحسين أن يكتب وصيته، فقال: "اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن على إلى أخيه الحسين بن على، أوصى أنه يشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق عبادته، لا شريك له فى الملك، ولا ولى له من الذل، وأنه خلق كل شيء، فقدّره تقديرًا، وأنه أَوْلَى مَن عُبد، وأحَقّ من حُمد، مَن أطاعه رشد، ومَن عصاه غوى، ومَن تاب إليه اهتدى".

ثم أوصاه بأهله وولده وما يمتلكه، وكأنه كان يعلم ما سوف يحدث بعد وفاته.. فقال لأخيه الحسين: "انتظر ما يُحدث الله عزَّ وجلَّ فىَّ، فإذا قضيت، فغمِّضنى، وغسِّلني، وكفِّني، واحملني على سريري إلى قبر جدّي، رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لأجدّد به عهدًا، ثم رُدَّنى إلى قبر جدتى، فاطمة بنت أسد، رضى الله عنها، فادْفِنِّى هناك، وستعلم، يا ابن أمّ، أن القوم يظنون أنكم تريدون دفنى عند رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فيجلبون فى ذلك، ويمنعونكم منه، وبالله أقسم عليك أن لا تهريق فى أمري محجمةِ دمٍ".

الساعات الأخيرة

قال سفيان بن عيينة، عن رقبة بن مصقلة، قال: لما حضر الحسن بن علي، قال: أخرجوني إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السماوات. فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه، فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس عليّ. قال: فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه عنده.

وقال أبو نعيم: لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع، فدخل عليه أخوه سيدنا الحسين، فقال له: يا أبا محمدٍ، ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك عليّ وفاطمة، وعلى جديك النبي، صلى الله عليه وسلم، وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب. قال: فسُري عنه. 

وقال: يا أخي، إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أرَ مثله قط. قال: فبكى الحسين. رضي الله عنهما. 

وعن أبي عتيق قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: شهدنا حسن بن علي يوم مات، فكادت الفتنة تقع بين الحسين بن علي ومروان بن الحكم، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله، صلَّى الله عليه وسلم، فإن خاف أن يكون في ذلك قتالٌ أو شرٌّ فليدفن بالبقيع. فأبى مروان أن يدعه، ومروان يومئذ معزول يريد أن يُرضي معاويةُ بذلك، فلم يزل مروان عدوا لبني هاشم حتى مات. 

قال جابر: فكلمت يومئذ حسين بن علي، فقلت: يا أبا عبد الله، اتق الله; فإن أخاك كان لا يحب ما ترى، فادفنه بالبقيع مع أمه. ففعل.

وفي روايةٍ أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك، فأذنت له، فلما مات لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية، وقالوا: لا ندعه يدفن مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أيدفن عثمانُ بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة؟!

فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وجابر وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل، فامتثل ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع، رضي الله عنه.

الصلاة على الإمام الحسن

وقدَّم الحسين بن علي يومئذ والي المدينة، سعيد بن العاص، فصلى على الحسن. وقال: لولا أنها سُنَّة ما قدَّمتُه.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني مساور مولى بني سعد بن بكر قال: رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم مات الحسن بن علي وهو ينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس، مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا.

وقد اجتمع الناس لجنازته، حتى ما كان البقيع يسع أحدا من الزحام، وقد بكاه الرجال والنساء سبعا، واستمر نساء بني هاشم ينحن عليه شهرا، وحدت نساء بني هاشم عليه سنة. 

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: توفي الحسن وهو ابن سبع وأربعين. وكذا قال غير واحد، وهو أصح.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية