رئيس التحرير
عصام كامل

دول بلا سند أو ظهير!

كشفت الحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط وبين روسيا وأوكرانيا أن الغلبة والدعم للمصالح على حساب الايديولوجيا، وأنه لا يوجد تحالف كامل أو مستمر بعد إغتيال الاتحاد السوفيتى وتفكك الكتلة الشرقية وتشظيها إلى دول ذات علاقات غربية بدرجة أو بأخرى لتنفرد أمريكا بالعالم.

 
وكشفت الحرب الدائرة الآن عن الجنة المفقودة بانقسام العالم إلى قطبين في الماضى، وكان اختلافهما رحمة باحتماء أحد الضعفاء بأى بلطجى منهما، ومنذ القدم بل ومن أسرار الوجود ذاته، التواجد في  الصورة الثنائية، من اليونان والإغريق إلى الفرس والروم ومرورا ببريطانيا العظمى وفرنسا إلى أمريكا والاتحاد السوفيتى.

 
وكانت هذه القطبية تتيح لأى دولة الانخراط تحت لواء أحد القطبين، وحتى عندما أقيمت كتلة عدم الانحياز كان الاتحاد السوفيتي هو الأقرب.

 
المهم تعالوا نتخيل السيناريو لو كانت لبنان أو فلسطين أو حماس أو اليمن تحت اللواء السوفيتى.. هل كانت موسكو ستسمح بهذه المجازر.. وأعتقد إن أخر تحالف حقيقى كان بين سوريا وروسيا والذى أدي لإنقاذ سوريا من السقوط تحت المقصلة الأمريكية الإسرائيلية منذ سنوات.

   
والآن يكمن السر في التحالفات الدولية في المصلحة وما أدراك ما المصلحة! ويبدو أن مراكز الأبحاث والدراسات الغربية على وجه العموم والأمريكية على وجه الخصوص قد نجحت في وضع السيناريوهات التى نعيش ظلامها الآن.. وحتى يكون الكلام مستندا على الواقع، تعالوا نحاول أن نستعرض ما يحدث دون توقع الفهم.

 
هناك دولة مثل تركيا حليفة لروسيا ومع ذلك عضو في الناتو، وتسعى للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبى، وكانا يحاربان في سوريا بمصالح متعارضة، ومع ذلك تتوسط بين روسيا وأوكرانيا في مفاوضات الحبوب، والتعاون بينهما سمن على عسل!


ومع العلاقة الاستراتيجية بين التنين الصينى والدب الروسي لم تتورط ببكين في الحرب مع أوكرانيا،
وتعالوا ننظر إلى علاقة روسيا بإيران.. نعم روسيا وإيران ليستا حليفتين رسميتين، لكن علاقاتهما تعمقت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويعدان الآن لوضع اللمسات الأخيرة على إتفاق شراكة استراتيجية.. 

 

ووصل التعاون العسكرى بين روسيا وإيران إلى حد إمداد موسكو ببعض العتاد العسكرى الإيراني في حربها مع أوكرانيا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن التعاون الاقتصادى والتجارى الروسى الإيراني نجح إلى حد وقوفه حجر عثرة، بل قوض الحصار والمقاطعة الغربيىة والأمريكية لهما، ومع ذلك لم تتدخل روسيا مع طهران في التراشقات مع إسرائيل.

 
والعلاقة المتميزة بين الصين وإيران في كافة المجالات والإعتماد الصينى على النفط الإيراني.. الخ من أشكال العلاقات لم يجعل بكين تتورط بالدعم لإيران في تراشقاتها مع إسرائيل.. وعلى الجانب الآخر تجد تعاون اقتصادى متعدد بين روسيا وإسرائيل، وفى نفس الوقت تستقبل قادة حماس..

 
التفسير

هل وصلنا إلى بعض التفسير؟ يفسر البعض مثلا إن عدم إنخراط روسيا بشكل مؤثر في الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان قد يرجع إلى أن الصراع في الشرق الأوسط قد يساعد في تحويل إنتباه الغرب وموارده بعيدًا عن أوكرانيا، حيث حققت القوات الروسية تقدمًا متزايدًا على خط المواجهة في الأشهر الأخيرة.


وعلى الجانب الآخر ورغم إحتياج روسيا إلى إيران أكثر من حاجتها إلى إسرائيل، إلا أنها تسعى إلى الحفاظ على العلاقات مع البلدين بسبب رفض إسرائيل حتى الآن تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، رغم انتقادها للحرب بين موسكو وكييف وتحالف روسيا مع إيران.. وقد تخشى روسيا من إرسال إسرائيل أسلحة إلى أوكرانيا إذا وقفت بشكل أكبر إلى جانب إيران.


كذلك تعاون وثيق بين الصين وإسرائيل.. والأكثر من ذلك أن حجم الاحتياطى الصينى من الدولار الامريكى يفوق الاحتياطى الأمريكي.. ولذلك يكون من السذاجة الآن طرح هذا السؤال: أين تقف روسيا والصين من الصراع بين إسرائيل وإيران؟ من جهة، وأين تقف روسيا والصين من الصراع بين اسرائيل وحماس ولبنان؟

 
روسيا أعلنتها صراحة تحالف المصلحة، مع التركيز على أوكرانيا، والتنين الصينى يختبئ في الكهف حتي يحظي بقوة تمكنه من إلتهام الجميع!
 

وأعتقد وبهذا العرض البسيط إن التشابك في المصالح والعلاقات الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية والصناعية يجعل من المستحيل الدخول في صراعات عنيفة، أو الإنضمام لطرف دون آخر لآن المصالح موزعة بين الجميع ولا عزاء لأصحاب الحقوق، وبعد أن كان القطبان يتقاسمان دول العالم جغرافيا وسياسيا، أصبح كل منهما يتقاسمان المصالح الاقتصادية، ودول العالم الثالث متفرق دمهم بين مصالح الكبار.

  
لذلك تجد من الصعوبة بمكان على أى دولة أن تدخل صراعا ضد  أحد، وهى لا تضمن ولاء الجميع أو مساندتهم، لأن مصالح الأشقاء قبل الأصدقاء مع الأعداء، والأعداء تخللوا دم الأخوة قبل الأصدقاء!

 


لذلك الكارثة الكبرى وكل الألم لمن يبحث عن حريته وحقه من مستعمر أو معتد ويدخل في صراع للحفاظ على حقوقه أو استردادها وهو يعلم أن القريب قبل الصديق يتعاون مع العدو، وكف المصلحة هو الأعلى!
وللأسف إسرائيل هى الوحيدة  المستفيدة الآن بالإستناد إلى قوى عظمى بعد أن أصبح الكل في الهم سواء وبلا سند!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية