ساخرون، حكاوي زمان.. قصة فكرى أباظة مع جمعية الدباغين واصطياد الولائم وهوس المصريين بالأكل
فى كتابه “حواديت فكرى أباظة” كتب الكاتب الصحفى الساخر فكرى أباظة مقالا أطلق عليه “حدوتة” عن حب المصريين للأكل والشرب وأثر ذلك على صحتهم قال فيه: فى عام الحرب العالمية الأولى سنة 1914 أنشأنا -نحن بعض شباب الأسرة الأباظية- جمعية اسميناها جمعية الدباغين، لها مطبوعات خاصة وعنوان ورقم تليفون..
وأغراضها اصطياد الولائم فى بيوت الأسرة العديدة، ومعرفة مكانها ومواعيدها. وقد تنافست هذه البيوت فى إعداد الولائم لجمعية الدباغين، فكانت تقدم لأعضائها على موائدها خرافا وديكة رومى وفراخا وحماما محشوا وطواجن يخنى وصوانى عدس أباظى وحلوى وعصائر إلى آخر القوائم السخية.
وكان أعضاء الجمعية -جميعهم- إذا التهموا كل ما يقدم إليهم يفوزون بمبلغ من المال مقابل الرهان. شرب أحدنا مرة قاربا مليئا بالملوخية الخضراء بالطشة مرة واحدة ليتفادى أعضاء الجمعية التغميس بالعيش الذى يعطل عملية التهام بقية الأصناف، وأغمى على أحد الضيوف -الأستاذ نصيف من القاهرة- حين شهد منظر شرب طبق الملوخية الكبير فلم يتحمل المنظر.
كان إذا مرض أحد أعضاء الجمعية من كثرة الأكل، وذهب للطبيب الكبير طلعت باشا ليكشف عليه، لا يجرى كشفا وإنما يكتب له فورا روشتة بأدوية للمعدة والكبد. وكانت النتيجة أن أكثر أعضاء هذه الجمعية فاجأتهم الوفاة فى شرخ الشباب -عليهم الرحمة والمغفرة- والعيب ليس عيبا أباظيا خاصا، وإنما هو عيب مصرى عام يتفشى فى أغلب الأسر المصرية، كثرة الأكل ومضاره الصحية الفردية، وكثرة الاستهلاك ومضاره القومية التى نعانى منها هذه الأيام.
وعرف المصريون بمصيبة كثرة الأكل، وتسللت الأخبار إلى أوروبا، فما من طبيب أجنبى في الخارج ذهب مصرى لاستشارته عن صحته إلا وبحث أول ما بحث، وفحص أول ما فحص المعدة والكبد.
ولعلنا فى عهد التطور والتطوير الجديدين نقتصد في الأكل بعد أن أصبح هو وكثرة النسل نكبتين وطنيتين قوميتين فادحتين، تعوقان حركة التنمية والتقدم، وقد قلت في هاتين النكبتين زجلا ضمن زجل نشر لى يقول: سد عالى يعمل ايه.. والنسل أعلى مرتين/ سد عالى يزرع ايه.. دول يلهفوه في طقتين/ سد عالى الله عليه.. لو سد نفس البلوتين.