رئيس التحرير
عصام كامل

بين إهمال الوزير ونداء البلشي وكرم الإمام..

معاناة صحفي مع السرطان

في خضم الحياة اليومية، تتسلل قصص إنسانية مؤثرة لتوقظ الضمير وتعيد لنا الأمل في الخير، وقصة اليوم لصحفي شجاع، يحارب مرضًا عضالًا، ويكشف لنا عن واقع مؤلم يسلط الضوء على التفاوت بين المسؤولية الإنسانية من جانب نقيب الصحفيين وشيخ الأزهر، واللامبالاة الرسمية من جانب وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار!

محمد صحفي، صاحب قلم حُرّ وضمير حي، كان يعيش حياته بكل حيوية ونشاط، لكن القدر شاء أن يصاب بمرض السرطان اللعين.. وبعد رحلة عذاب طويلة في معهد الأورام، وتحمله للعلاج الكيماوي القاسي، جاءت نتيجة التحاليل الأخيرة التي أرسلها للخارج لتهزّ كيانه.. إنه في حاجة ماسة إلى علاج جديد مكلف للغاية، يتجاوز سعره قدراته بكثير!


جلس محمد إلى مكتبه، يحدق في أوراق التحليل التي تحمل حكم الإعدام.. قلم حبره يتجمد في يده، وكأنه يشاركه حزنه، لكنه في لحظة يقرر ألا يستسلم، فيتصل بالأستاذ خالد البلشي نقيب الصحفيين، ويحكي له أزمته، فلا يتردد النقيب لحظة ويخاطب وزير الصحة للمساعدة على تكاليف العلاج الباهظ جدًا جدًا.. 

لكن الرد كان باردًا كالجليد وصادمًا من الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، الذي اختفى خلف جدران مكتبه الفاره، متجاهلًا صرخات المريض المعذب، كما يفعل مع صرخات المرضى الفقراء على أبواب المستشفيات!

وإزاء هذا الإهمال من وزير الصحة يرسل نقيب الصحفيين الطلب إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي يستجيب لندائه على الفور، ويصدر تعليماته بإرسال فريق متخصص لمتابعة حالة الصحفي وتقديم كل الدعم اللازم له، وبين ليلة وضحاها يجد محمد نفسه في عالم آخر، إذ استقبلته لجنة متخصصة، استمعت إلى قصته باهتمام، ووعدته بمتابعة طلبه خلال أسابيع قليلة.

ولم يكن أمامه سوى الانتظار!

يجلس محمد على سريره الأبيض، يحدق في السقف المتصدع وجسده الهزيل يرتجف تحت تأثير العلاج الكيماوي، لم يعد قادرًا على حمل قلمه الذي كان سلاحه الوحيد، يناوشه الغضب على القدر الذي اختاره ليكون ضحيته، وعلى النظام الذي تركه يصارع وحيدًا، ويتذكّر أيامًا مضت وهو يجوب الشوارع، يبحث عن قصص تلامس قلوب الناس، لكنه الآن أصبح هو القصة التي يحتاج العالم إلى سماعها!


كان محمد قد اعتاد أن يرى نفسه في المرآة ذلك الشاب النشيط الذي يواجه الكاميرا بثقة، وها هو ذا الآن شاحب الوجه غائر العينين متساقط الشعر، استنزف المرض قوته، وتركه يصارع شبح الموت الذي يلوح في الأفق، ثم إذا بمكالمة مُحيية تأتيه من مشيخة الأزهر تخطره بالموافقة على شراء الدواء، وتوفير أول علبة منه! كان ذلك بمثابة شربة ماء لإنسان يُحتضر في صحراء قاحلة!

وهكذا يبدو الفارق بوضوح بين المسؤول الذي يضع مصالحه الشخصية فوق مصلحة الناس، والآخر الذي يضع إيمانه ومسؤوليته الإنسانية نصب عينيه!
شكرًا فضيلة الإمام الأكبر -علمًا وقيمةً وإنسانيةً-، شكرًا للأستاذ خالد البلشي، نقيب الصحفيين، الذي كان حريصًا على مخاطبة جميع الجهات لتخفيف الألم عن مريض.. الدنيا لسه بخير.

الجريدة الرسمية