الفن وسنينه
عن الاستغاثة والشللية والاتفاقية الثلاثية!
أثارت الاستغاثة والصرخة التي أطلقها مؤخرا الفنان الموهوب أحمد عزمي جدل كبير وردود أفعال واسعة وتعليقات كثيرة، والتي ناشد فيها زملائه الفنانين والمسؤولين بالشركة المتحدة أن يرحموه من البطالة ويجدوا له فرصة عمل للوفاء باحتياجاته الضرورية وإعالة أسرته وإبنه الوحيد، وهي الاستغاثة التي لاقت استجابة سريعة من الشركة المتحدة..
وتم توقيع عقد معه للمشاركة في أحد أعمال رمضان المقبل، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تم الإعلان عن توقيع بروتوكول تعاون ثلاثي بين الشركة المتحدة ومدينة الإنتاج الإعلامي ونقابة المهن التمثيلية لإنتاج مجموعة من الأعمال التاريخية والدينية التليفزيونية والإذاعية، يتم من خلالها الاستعانة بالفنانين الذين لم يحظوا بفرص فنية خلال السنوات الماضية.. عن طريق تطبيق آلية معينة لهذا الغرض.
وسيبدأ تطبيق هذا البروتوكول من أعمال رمضان المقبل، وتلك الأعمال ستركز على سيرة علماء الحضارة الإسلامية وصورة المرأة في الإسلام وأشهر مفسري القرآن وغيرها من الأعمال الدينية والتاريخية.
ترحيب وقلق
رغم الترحيب الذي استقبل به الإعلان عن توقيع هذا البروتوكول الثلاثي من قبل عدد من الفنانين خاصةً الذين يعانون من البطالة الفنية منذ سنوات وسنوات، وهم كثر منهم وفاء مكي التي اعتبرت هذا البروتوكول بشرة خير، وألفت عمر وكذلك بعض النقاد والإعلاميين مثل ماجدة موريس التي رأت هذا البروتوكول خطوة إيجابية في الطريق الصحيح نحو العدالة التي يجب أن تسود بين جموع الفنانين.
ورغم أيضًا تثميني وتشجيعي لهذه الخطوة غير المسبوقة والتي أراها وإن تأخرت سنوات تحسب لكل القائمين عليها، وأنها قد تعيد بعضًا من الحقوق وترد الاعتبار لمئات من الفنانين الذين ظلمتهم الشللية والجحود والنكران وطواهم النسيان منذ سنوات عديدة، إلا أنني أيضًا يساورني شعور بالقلق ليس من السهل تجاهله من عدم وضوح الآلية التي سيتم بموجبها ترشيح وانتقاء الفنانين الذين سيشاركون في الأعمال التليفزيونية والإذاعية التي ستنفذ خلال الفترة المقبلة!
فكم أتمنى أن تتسم هذه الآلية بالموضوعية والشفافية والعدالة وتوسيع دائرة الاختيار، وأن تبتعد عن الشللية، التي كانت ومازالت آفة الفن والوسط الفني منذ سنوات ليست بقليلة، فأفسدته وأدت إلى الوضع القائم الذي جعل معظم الفنانين والفنيين والمخرحين والكتاب يشتكون ويستغيثون بل ويتسولون من أجل إيجاد فرص عمل تخرجهم من النسيان وتعينهم على مواجهة متطلبات المعيشة التي صارت هي الأصعب والأكثر قسوة على مدار التاريخ!
كذلك لا أخفي عليكم قلقي من إعلان المسؤولين عن البرتوكول الثلاثي عن اقتصار الأعمال المزمع تنفيذها خلال الفترة المقبلة على الجانب الديني والتاريخي فقط !، فرغم أهمية هذه الأعمال التي صارت مهجورة ومفتقدة منذ سنوات طويلة في عمل توازن وتصحيح للإنتاج الدرامي الذي سيطرت عليه مسلسلات العنف والجريمة والأكشن والكوميديا في السنوات الأخيرة، على حساب الأعمال ذات القيمة والمضمون الهادف الراقي إلا أن مثل هذه النوعية من الأعمال تحتاج إلى مواصفات خاصة لمن يجسدها من الفنانين..
وأهمها إجادة التمثيل باللغة العربية الفصحى، وفي تصوري أن معظم فنانينا الحاليين لا يجدون ذلك، ومن ثم أخشى أن تقتصر المشاركة في هذه الأعمال على حفنة قليلة جدًا من الفنانين الذين يجيدون اللغة الفصحى وأظن أن غالبيتهم من الفنانين الكبار سنًا ومقامًا!
الشللية وشفافية المعايير
لا شك أن الوسط الفني في مصر مثله مثل باقي مجالات العمل، يخضع للشعار الذي صار قانونًا صارمًا يحكم كل مجالات حياتنا الشللية! وتعني الشلة الضيقة المقربة من أهل الثقة وليس من أهل الكفاءة والخبرة في الغالب!
والشللية في الفن موجودة منذ بداياته ولكنها كانت بشكل مختلف تمامًا عن الوقت الحالي، كانت بمثابة Team Work فريق عمل متجانس ومتفاهم ومتعاون وكفء، يبذل أعضاؤه قصارى جهدهم لإنجاح العمل بكل عناصره لمصلحة الجميع، وليس لمصلحة شخص أو شلة بعينها!
ومن ثم كانت النتيجة في أغلبها أعمالًا كلاسيكية خالدة، مثل أفلام شادية وكمال الشناوي وليلى مراد وأنور وجدي وصلاح ذو الفقار وشادية ونور الشريف وبوسي ونور الشريف وميرفت آمين وعادل إمام ويسرا وعادل إمام والثنائي المؤلف وحيد حامد والمخرج شريف عرفة وغيرهم.
وهذا على النقيض تمامًا مما حدث في السنوات الأخيرة التي طغى فيها مفهوم النجم الأوحد، الذي توغل في كل شيء خاص بالعمل الفني، وصار له الحق كاملًا في اختيار كل العناصر بدءًا من المؤلف والمخرج مرورًا بالفنانين المشاركين معه حتى الوجوه الجديدة والثانوية وقد يختار منتج العمل أيضًا!
وفي الأغلب تحكم هذه الاختيارات معايير خاصة جدًا بهذا النجم، منها الثقة الشخصية والراحة النفسية والحالة المزاجية، بعيدًا عن الموهبة والقدرات الفنية والكفاءة المناسبة للدور، ولذلك فمن الطبيعي أن تأتي معظم هذه الأعمال دون المستوى!
أيضًا أضحى الوسط الفني يسيطر عليه قلة محدودة جدًا من المنتجين لكل واحد منهم شلته الضيقة الخاصة من الفنانين والكتاب والمخرجين والفنيين لا يتعداهم في معظم أعماله، وهو ما إشتكى منه جموع الفنانين والكتاب والمخرجين والفنيين كبارًا وصغارا، منهم الكبار عبد الرحمن أبو زهرة، خالد زكي، حسن يوسف، سيف عبد الرحمن، نجوى فؤاد، فاروق فلوكس..
وكذلك الفنانون علاء مرسي، نشوى مصطفى، مها أحمد، مروة عبد المنعم، وراندا البحيري وغيرهم، بل إستغاث بعضهم برئيس الجمهورية، وقال عن ذلك نقيب الممثلين أشرف زكي: الكل يعاني في الوسط الفني، بضع عشرات يشاركون بالأعمال الفنية بينما يجلس الآلاف في بيوتهم بلا عمل أو مورد للرزق!
ومن ثم فإن أحمد عزمي ليس أول من استغاث وصرخ طلبًا للعمل من أجل لقمة العيش، ولن يكون الأخير، إذا لم تتم تطبيق معايير موضوعية وعادلة للاستعانة بكل الفنانين المتعطلين عن العمل في الأعمال التي تقرر إنتاجها بموجب البروتوكول الثلاثي بين الشركة المتحدة ومدينة الإنتاج ونقابة المهن التمثيلية، والذي أتمنى أيضًا أن تحذو حذوه باقي شركات الإنتاج وتستعين بأكبر عدد ممكن من هؤلاء الفنانين المتعطلين من كافة الأجيال.. إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.