شباب حول الرسول، أبو سفيان بن الحارث "سيد فتيان أَهل الجنة"
منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبةٌ من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتيةٌ صغارُ السن بالله؛ حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.
تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".
في هذه الحلقة نعرض جوانب من حياة صحابي شاب، هو أبو سفيان بن الحارث، ابن عم رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأخوه من الرضاعة، وقصة إسلامه، وجهاده في سبيل الله.
هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابْن عم رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وَهُوَ الأوَّل من أولاد الحارث الذكور، وأخو رسول الله من الرضاعة؛ أرضعتهما حليمة السعديَّة.
وكان ترب (صاحب) رسول الله، يألفه إلفًا شَدِيدًا قبل النُّبُوَّة، فَلَمَّا بُعِثَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، انقلبت الصداقة إلى عداوة.. فقد عَادَاهُ وهجاه وهجا أَصْحَابه، وكان شاعرًا.
إسلام أبي سفيان بن الحارث
بعد أن اقتنع أبو سفيان بن الحارث بالإسلام، واطمأن إليه قلبه، توجه ومعه ابن عمة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، للقاء سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بمكان يسمى "ثنية العقاب"، فيما بين مكة والمدينة، وطلبا الدخول عليه، فاستأذنته أم سلمة لهما، لكنه رفض لما قاساه من عداوتهما وتطاولهما.
فلمَّا خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبي سفيان بن الحارث ابنٌ له، فقال: والله ليأذنن لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو لآخذنَّ بيد ابني هذا ثم لنذهبنَّ في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا.
فلمَّا بلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رقَّ لهما، فدخلا عليه فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره ممَّا كان مضى منه، حين قال:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي... مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ
قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ، ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: "أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ"؟!.
وروى بعض الرواة واقعة مختلفة حيث ذكروا أنه اصطحب زوجته وابنه، وقال لهما: تهيَّئوا للخروج، فقد أظلَّ قدوم محمد عليكم.
اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، معاذ ومعوذ "شقيقان أحبهما النبي"
وطلب من خادمه أن يجهز جملا وفرسا، ثم توجه إلى حيث كان يقيم سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، في مكان يسمى الأبواء، شمال مكة.
وكان خائفا من أن يقتل، بعد أن أهدر الرسول دمه.
أسرع للقاء رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الناس قد أقبلوا على النبي، أفواجا، وما أن شاهد موكبه، حتى ظهر له، أملا في أن يراه رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه أشاح بوجهه عنه، فأسرع ليقف أمام الناحية التي وجه الرسول وجهه إليها. لكنه أعرض عنه.
وأعرض عنه مرارًا، فزاد خوفه من القتل، وقال في نفسه: أنا مقتولٌ قبل أن أصل إليه.
وقال: أتذكر برَّه ورحمته وقرابتي فيمسك ذلك مني (يزيدني شجاعة)، وقد كنت لا أشكُّ أنَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحًا شديدًا، لقرابتي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى المسلمون إعراض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عني، أعرضوا عني جميعًا، فلقيني ابن أبي قحافة (أبو بكر) مُعرِضًا، ونظرت إلى عمر فإذا به يحرض رجلًا من الأنصار عليّ، فاقترب مني وهو يقول: يا عدوَّ الله، أنت الذي كنت تُؤذِي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتُؤذِي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته!
فحاولت الدفاع عن نفسي، لكن الرجل زاد من تطاوله عليَّ، ورفع صوته حتى جعلني في حرج شديد من الناس.
قال: فدخلت على عمِّي العبَّاس، فقلت: يا عبَّاس، قد كنت أرجو أن سيفرح رسول الله بإسلامي لقرابتي وشرفي، وقد كان منه ما كان رأيت، فكلِّمْهُ ليرضى عنِّي ! قال: لا والله، لا أُكلِّمُه كلمةً فيك أبدًا بعد الذي رأيت منه إلَّا أن أرى وجهًا (فرصة)؛ إنِّي أُجلُّ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، وأهابه.
فقلت: يا عمِّي إلى من تكلُني؟ قال: هو ذاك. قال: فلقيت علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه، فكلَّمتُه، فقال لي مثل ذلك.
قال أبو سفيان: فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى خرج إلى الجحفة (منطقة تقع في شمال غرب مكة)، وهو لا يُكلِّمني ولا أحدٌ من المسلمين.
وجعلت لا ينزل منزلًا إلَّا أنا على بابه، ومعي ابني جعفر قائم، فلا يراني إلَّا أعرض عني.
فظللتُ على هذه الحال حتى شهدتُ معه فتح مكَّة.
لم ييأس أبو سفيان، بل زاد من إلحاحه، قال: دنوت من باب قبَّته فنظر إليّ نظرًا هو ألين من ذلك النظر الأوَّل، قد رجوتُ أن يتبسم، ودخل عليه نساء بني المطلب، ودخلت معهنَّ زوجتي فرقَّقَتْه عليَّ، وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أُفارقه على حالٍ.
حتى خرج إلى هوازن (إحدى الغزوات)، فخرجتُ معه.
وكانت القبائل قد جَمَعت العرب حشدا لم يُجمع مثله قط، وخرجوا بالنساء والذرية والماشية، فلمَّا شاهدهم أبو سفيان، قرر أن يثبت لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، شجاعته، لكن الأعداء فاجأوا جيش المسلمين بهجوم كاسح، فهرب كثير منهم، وقال الله تعالى عن ذلك: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).
وثبُت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على بغلته الشهباء وجرَّد سيفه، فأقتحم عن فرسي وبيدي السيف صلتا (بدون غمد)، قد كسِرتُ جفنه، والله أعلم أنِّي أُريد الموت دونه وهو ينظر إليَّ، فأخذ العبَّاس بن عبد المطلب بلجام البغلة، فأخذتُ بالجانب الآخر، فقال: من هذا؟ فخلعت الخوذة، فقال العبَّاس: يا رسول الله، أخوك وابن عمِّك أبو سفيان بن الحارث! فارضَ عنه، أي رسول الله! قال:
"قَدْ فَعَلْتُ"، فغفر الله كلَّ عداوةٍ عادانيها! فأقُبِّلُ رجله في الركاب، ثُمَّ التفت إليّ، فقال: أخي لعمري! ثم أمر العباس فقال: نادِ يا أصحاب البقرة! (يا أصحاب سورة البقرة.. نداء لجمع الصحابة حول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا أصحاب السمرة (بيعة الشجرة) يوم الحديبية! يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج! فأجابوا: لبيك داعي الله! وكرُّوا كرة رجل واحد، وقد حطموا أغمدة السيوف، ورفعوا الرماح، وخفضوا أسنة الرماح، وأسرعوا إلى الموت على أرجلهم)، فرأيتني، وإني لأخاف على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شروع رماحهم حتى أحدقوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: تقدم فضارب القوم! فحملتُ حملةً أزلتهم عن موضعهم، وتبعني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قدما في نحور القوم، ما نالوا ما تقدم، فما قامت لهم قائمة حتى طردتهم قدر فرسخ، وتفرقوا في كل وجه.
حب الرسول لأبي سفيان
كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يحب أبا سفيان، وقد شهد له بالجنة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أَبُو سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ سَيِّدُ فِتْيَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
وقال أيضًّا: "أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أَبُو سُفْيَانَ خَيْرُ أَهْلِي، أَوْ مِنْ خَيْرِ أَهْلِي".
وقد قيل: إنَّ الَّذِينَ كانوا يشبهون رسول الله، صلى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وَلمـَّا حضرت أَبَا سُفْيَان الْوَفَاة قَالَ لأَهله: لا تبكوا عليّ، فإنِّي لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت.
جهاد أبي سفيان بن الحارث
راح أبو سفيان يُعوِّض ما فاته؛ فكان عابدًا ساجدًا مجاهدًا، خرج مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، في فتح مكة وما تلاه من غزوات، ويوم حُنين كان أثبت وأشجع ما يكون؛ حيث نصب المشركون للمسلمين كمينًا خطرًا، وثبت الرسول مكانه يُنادي: "إليَّ أيُّها الناس، أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
ثبتت قلة مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان منهم أبو سفيان وولده جعفر؛ كان أبو سفيان يأخذ بلجام فرس الرسول بيسراه، ويُرسل السيف في نحور المشركين بيمناه، وعاد المسلمون الى مكان المعركة حول نبيِّهم، وكتب الله لهم النصر المبين، ولمـَّا انجلى غبارها التفت الرسول، صلى الله عليه وسلم، لمن يتشبَّث بمقود فرسه وتأمَّله، وقال: "مَنْ هَذَا؟ أَخِي أَبُو سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ؟ وما كاد يسمع أبوسفيان كلمة أخي حتى طار فؤاده من الفرح، فأكبَّ على قدمَي رسول الله يُقبِّلهما.
أبو سفيان شاعرًا
لقد كان أبو سفيان من شعراء بني هاشم، ولكنَّه قبل إسلامه سخَّر شعره وفصاحته في هجاء الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم.
لكنه رثى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتقل إلى بارئه، بقصيدة:
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا... أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ... عَشِيَّةَ قِيلَ: قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ
فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيْلَ فِيْنَا... يَرُوْحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبْرَئِيْل
نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا... بِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُوْل
وَيَهْدِيْنَا فَلاَ نَخْشَى ضَلاَلًا... عَلَيْنَا وَالرَّسُوْلُ لَنَا دَلِيْلُ
فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ حَيًّا... وَلَيْسَ لَهُ مِنَ المَوْتَى عَدِيْل
أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي فَهُوَ السَّبِيْل
فَعُوْدِي بِالعَزَاءِ فَإِنَّ فِيْهِ... ثَوَابَ اللهِ وَالفَضْلُ الجَزِيْل
وَقُوْلِي فِي أَبِيْكِ وَلاَ تَمَلِّي... وَهَلْ يَجْزِي بِفَضْلِ أَبِيْكِ قِيْل
فَقَبْرُ أَبِيْكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ... وَفِيْهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُوْلُ
وفاة بن الحارث
كان قد ذهب إلى الحج، وعندما حلق الحلَّاق رأسه قطع "دملا في رأسه، فلم يزل مريضًا منه حتَّى مات بعد مَقْدِمِهِ من الحجِّ بالمدينة سنة عشرين هجريًّا، ودُفِن فِي البقيع.
وصلَّى عليه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيَّام.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.