رئيس التحرير
عصام كامل

التربية الإيجابية.. وجع دماغ

الأمومة والأبوة من أصعب المهام الموكلة إلينا وأشقاها في أيام لم نعد وحدنا من نربي وزاد مهمتنا صعوبة تلك الآفة المسماة بالإنترنت، فعلى أيامي كان روافد التربية البيت والمدرسة، وكان مدرسونا يقولون لنا دائمًا جملة لن أنساها أبدا اسمها وزارة التربية والتعليم، يعني التربية تأتي قبلًا وهذه كانت حقيقة خاصة على أيامنا.. 

فكان للمعلم دور لا يمكن إغفالة في استكمال دور البيت برفع درجة وعينا وثقافتنا وقدرتنا على الحكم على الأمور بما تحتمله سننا في تلك الفترة، وإن كنت أرى أن هذا الدور قد تراجع كثيرا هذه الأيام للدرجة التي أصبحت فيها بعض المدارس مع الأسف الشديد لا تعليمًا ولا تربية لأسباب نعلمها جميعنا ولا مجال لتكرارها.

 
ولأن مهمتنا الأساسية في هذه الحياة والتي سنسأل عنها أمام الله هي تربية أبنائنا تربية صحيحة قدر استطاعتنا وطاقتهم والتي ما زلت أؤكد على أنها مهمة شاقة.. أرانا نبذل كل ما في وسعنا لتأديتها بنجاح وأرانا أيضًا نفشل في كثير من الأحيان وندخل تيهًا ودائرة مفرغة من الأسئلة هل نربي أبناءنا كما ربانا أهلونا، أم أن إختلاف العصر يزيد مهمتنا صعوبة وقسوة؟

هل نطوع أفكارنا ومنطقنا لمتطلبات أيامهم أم سنصاب بإرهاق جدالهم؟ هل نفتح لهم نافذة أن يكونوا شركاء حياة أم ستُغلق النافذة في وجوهنا من فرط اللهث وراء أفكارهم التي تصل إلى بهم إلى مرحلة أن جعلوا من أنفسهم أندادًا؟

وبعد أن كدت أصاب بالجنون وحتى لا أُضطر طواعية للإتصال بالعباسية كي تستضيفني بضعة أيام على سبيل الاستهجان قررت وبعد تفكير عميق ومشاهدة مئات الفيديوهات عن التربية الإيجابية دخول هذا العالم العجيب بداية من اسمه فطيلة عمرنا لم نسمع عنه.

كثيرة هي تلك الصفحات والمواقع التي تقدم محتوى عن التربية الإيجابية يظهر فيها أشخاص حقيقة لا أعرف مسماهم هل هم أخصائيون نفسيون أم متخصصين في علم الاجتماع أم التربية أم مدربون أم ماذا؟ حقيقة لا أدري.

دخلت على هذه الصفحات فوجدت عجبًا نظريات متعددة.. طرق تربية تختلف باختلاف شخص من يقدم المحتوى وخلفيته الدراسية والمعرفية وربما درجته العلمية، والتي أراها نادرة فيمن يقدمون هذا المحتوى.

ولكن الأكثر دهشة واستغرابًا بالنسبة لي هي أسعار الجلسات، فالجلسة في المكان الذي سألت فيه والذي لا أعرف ماذا يطلقون عليه هل هو عياده أم مركز أم ماذا؟ ثمن الجلسة مدتها ساعة 800 جنيه، وإذا كانت أون لاين فتتجاوز 1000 جنيه، وفي أماكن تكون مجموع الرقمين خاصة إذا كان مقدم الجلسة تعليم الخارج، وبالتأكيد هي ليست جلسة واحدة وإنما جلسات..

كل هذه المبالغ كي نتعلم التربية الإيجابية وكيفية التعامل مع أولادنا.. طيب لو اتربوا وأصبحوا تمام التمام هأكلهم منين وإلا هيتربوا تربية إيجابية على معدة فاضية.. ومن أين لي الإنفاق على تعليمهم وملبسهم وكافة الأمور والمتطلبات الحياتية الأخرى؟!


إنه العبث يا سادة وزادت من عبثيته بعض وسائل الإعلام التي تستضيف أناسًا ولهم كل الإحترام يعلموننا كيف نربي أولادنا..


وعلى ذكر الإعلام تذكرت حلقة من البرنامج الإذاعي العريق كلمتين وبس عندما كان يقدمه الأستاذ فؤاد المهندس بمفرده، أتذكر حلقة سبقت عصر التربية الإيجابية بسنوات، علمنا فيها الكاتب الكبير أحمد بهجت أنه كي تربي أولادك تربية سليمة عليك أن تربي نفسك أولا، فأنت قدوة لهم ومثلا أعلى أنظر لعيوبك نظرة موضوعية وجاهد نفسك من أجل إصلاحها، فهذا ليس عيبًا بل هو قمة النضج..


إن تربية الأبناء على مشقتها لها محددات على رأسها وقبل كل شئ الدين الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ووضع لها محددات وضوابط، وطرق للتطبيق تكفينا عناء أنفسنا وما حولنا ومن حولنا.

الجريدة الرسمية