رئيس التحرير
عصام كامل

الدجاجة والطاووس

في مزرعة قريبة أبعد من السماء وأقرب من العين للأنف، كانت تعيش دجاجة بيضاء بسيطة، تحلم دائمًا بأن تصبح شيئًا أكبر مما هي عليه. إذ كانت دومًا تنظر إلى نفسها في بركة الماء الصغيرة وتقول: "لماذا أبدو هكذا؟ لماذا لا أملك ألوان الطاووس الرائعة؟". 

وتقضي ساعات طويلة وهي تنفش ريشها وتقلد مشية الطاووس المتعجرفة، ولكن الحقيقة كانت واضحة لكل من يراها، فهي ليست سوى دجاجة بيضاء عادية، بلا أية ملامح مميزة.

بمرور الوقت، أصبح طموح الدجاجة يتحول إلى هوس، حيث توقفت عن وضع البيض معتبرة ذلك مهمة مملة لا تليق بالطاووس القابع في خيالها. كانت تمشي بين الدجاجات الأخريات برأس مرفوع، رافضة أن تشارك في أي عمل جماعي أو مهمة يومية، مثل النكش في الأرض بحثًا عن الطعام أو حماية الصغار. كانت دائمًا تقول: “أنا طاووس، الطاووس لا يحفر في التراب”.

 

بدأت الدجاجات الأخرى تشعر بالضيق منها، لأنها لم تعد جزءًا من الجماعة. كانت تشاهدها من بعيد وهي تحاول نفخ ريشها الصغير لتبدو أكثر جمالًا، لكن تلك المحاولات البائسة كانت تثير الضحك أكثر من الإعجاب. الطاووس، الحقيقي في المزرعة، كان ينظر إليها بشيء من السخرية، فمهما حاولت، لم تكن تقترب حتى من جاذبيته.

في يوم من الأيام، زار المزرعة مجموعة من الأطفال ومعهم معلمهم. كانوا يتجولون وينظرون إلى الطيور المختلفة. عندما رأوا الطاووس، هرعوا إليه، ملتقطين الصور ومبتهجين بالألوان الزاهية لريشه، أما دجاجتنا المصون، فكانت تقف على مسافة، تراقب المشهد بحسد ومرارة، كأنها جارة دميمة تناظر جارتها الحسناء.

فجأة، وقف المعلم أمام قفص الدجاج وقال: "الأطفال، هذا هو الكنز الحقيقي للمزرعة. هذه الدجاجة، بعملها اليومي وبإنتاجها للبيض، توفر الطعام للناس. إنها مفيدة أكثر من الطاووس الجميل، الذي يكتفي بجماله ولا يقدم شيئًا للعالم سوى شكله."

لكن الدجاجة كانت غارقة في وهمها لدرجة أنها لم تستوعب كلام المعلم. قالت في نفسها: "هم لا يفهمون الفن الحقيقي! الجمال هو كل شيء!" وواصلت محاولة الظهور بشكل مختلف، تلتف حول نفسها وتنفش ريشها الصغير.

 

وفي تلك اللحظة، اقترب منها أحد الأطفال وسأل المعلم: "لماذا لا تضع هذه الدجاجة البيض مثل البقية؟".. ابتسم المعلم وقال: "ربما لأنها مشغولة بأحلام غير واقعية، لدرجة أنها نسيت ما هو دورها الحقيقي".

ومع أن النهاية كانت واضحة للجميع، إلا أن الدجاجة استمرت في العيش في وهمها. حتى جاء يوم قرر فيه صاحب المزرعة بيع بعض الطيور. نظر إلى الدجاجة، التي لم تعد تضع البيض، وقال: "لا فائدة منها، فقط تأكل وتشغل مساحة". 

وفي لحظة مكاشفة قرر بيع الدجاجة إلى فرارجي قريب، الذي وضعها داخل قفص في انتظار زبون يشتريها. أما الدجاجات الأخرى فواصلت وضع البيض.. وفي النهاية، كانت الدجاجة التي اعتقدت نفسها طاووسًا، مجرد عشاء لشخص عابر.

الجريدة الرسمية