رئيس التحرير
عصام كامل

الفلسفة وبناء الإنسان

الفلسفة منذ نشأتها كانت دائمًا تسعى لفهم جوهر الإنسان ودوره في الكون، إنها ليست مجرد تساؤلات حول العالم وماهيته، بل هي محاولة للإجابة عن أسئلة عميقة تتعلق بمعنى الحياة، الخير والشر، الحرية، العدالة، والتسامح والحق والوجود. ومن خلال هذه التساؤلات، تسهم الفلسفة في بناء الإنسان من نواحٍ متعددة، نفسيًا، عقليًا، وروحيًا.


فالفلسفة كأداة لبناء الإنسان تعمل على تنمية العقل النقدى ومهارات التفكير حيث تدفع الإنسان للتفكير بطريقة نقدية، بحيث لا يقبل الأفكار كما هي دون تمحيص وتحليل. وهذا يساعد الفرد على تنمية قدرته على التفكير الايجابى واتخاذ القرارات بناءً على معرفة معمقة وتحليل دقيق، بدلًا من الاعتماد على الآراء الجاهزة. والتى يمكن أن تكون سلبية.

 

بالإضافة إلى أن الفلسفة تعمل على  اكتساب الإنسان للحكمة وفهم الذات فمن أهم أهداف الفلسفة هي اكتساب الحكمة. الفلاسفة مثل سقراط وأفلاطون أكدوا على أهمية معرفة الذات كشرط أساسي لتحقيق الحكمة. عندما يفهم الإنسان نفسه بعمق، يصبح أكثر قدرة على التعامل مع تحديات الحياة ويطور علاقته مع الآخرين على أساس أعمق.

 

كما أن الفلسفة تعمل على التوازن بين العقل والعاطفة وتساعد الإنسان على فهم كيفية تحقيق التوازن بين العقل والعاطفة. فمن خلال دراسة الفلسفات المختلفة، يتعلم الفرد كيفية التحكم في عواطفه دون قمعها، وكيفية استخدام العقل كأداة لتحقيق التوازن في حياته اليومية.


وتأتى أهمية قصوى لدراسة الفلسفة وخاصة الفلسفة الأخلاقية، إذ يكتسب الإنسان من خلالها الوعي بما هو صواب وما هو خطأ. وأن تفكير الفيلسوف في قضايا هامة مثل العدالة، الواجب، والفضيلة، الخير والشر يُسهم في بناء ضمير أخلاقي يمكن أن يكون دليلًا للفرد في اتخاذ قراراته وتعامله مع الآخرين وبناء المجتمع.

 

والفلسفة تسعى إلى تأصيل علاقة وبناء الحرية بالمسؤولية، إذ تعلم الإنسان أن الحرية لا تأتي دون مسؤولية. عندما يكون الفرد حرًا في اختيار طريقه في الحياة، يجب أن يتحمل أيضًا عواقب اختياراته. وإذا نظرنا إلى الفيلسوف جان بول سارتر كان من أبرز المدافعين عن هذا المفهوم في فلسفته  الوجودية، حيث أكد أن الإنسان "محكوم عليه بأن يكون حرًا"، مما يعني أنه مسؤول عن تشكيل هويته وحياته.


بالإضافة إلى أن للفلسفة دور في تحسين المجتمع، الفلسفة لا تبني الأفراد فحسب، بل تسهم أيضًا في بناء المجتمعات، حيث إن الفكر الفلسفي يؤدي إلى تأسيس قيم ومعايير اجتماعية تساعد على تحسين التعايش الإنساني. والحوار وتشكل أسس القوانين والمؤسسات التي تنظم المجتمع.

 

وإذا نظرنا إلى تاريخ الفلسفة السياسية نجد أفكار الفلاسفة حول النظام السياسي المثالي، مثل أفلاطون في "الجمهورية"، أو جون لوك في "العقد الاجتماعي"، كانت حجر الأساس لتطور الديمقراطية والأنظمة السياسية الحديثة. ومن ثم الفلسفة تمنح المجتمع إطارًا للتفكير في كيفية تنظيم السلطة وتوزيعها، وكيفية تحقيق العدالة.

 

وأتوقف عند التعليم الفلسفي فله أهمية كبيرة من حيث أن الفلسفة تُعزز دور التعليم في بناء الأفراد والمجتمعات. التعليم الفلسفي لا يقتصر على تدريس النظريات، بل يهدف إلى تطوير قدرات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، مما يمكنهم من التفكير بأنفسهم وحل المشكلات المعقدة.

 

بل تسهم الفلسفة في بناء الشخصية الإنسانية حيث لا تقتصر على تقديم أجوبة حول العالم الخارجي، بل تُعنى أيضًا ببناء شخصية الفرد. وأهمية التحكم في النفس والعمل من أجل الخير العام. فبناء الإنسان فلسفيًا يعني تطوير قدرته على مواجهة الصعوبات والتحديات بثبات وقوة. بل تعطيه القدرة على التسامح، إذ إن الفلسفة تُعلم الإنسان أن يرى الأمور من منظور أوسع، مما يسهم في تعزيز القدرة على التسامح مع الآخرين، وفهم تنوع وجهات النظر والاختلافات.

 


وأتطرق هنا إلى القناعة والرضا والتى تم تأصيلها في فلسفة (مثل الفلسفة الرواقيّة)، إذ تُعلم الإنسان كيف يمكن أن يجد السعادة والقناعة فيما لديه، وعدم السعي وراء الشهوات المادية غير المتناهية.
وفي نهاية مقالى، يمكن القول إن الفلسفة هي جزء لا يتجزأ من بناء الإنسان. إنها تساعده على فهم نفسه والعالم من حوله، وتمنحه الأدوات اللازمة ليعيش حياة مليئة بالمعنى والقيم. الإنسان الذي يتبنى الفلسفة كأسلوب حياة يصبح أكثر حكمة، مسؤولية، وتسامح، مما يسهم في بناء مجتمع أفضل وأكثر تطورًا.

الجريدة الرسمية