الفن وسنينه
مسلسل سفاح التجمع.. استثمار لنجاح زائف!
استثمارا للنجاح الخادع والزائف الذي تحققه الأعمال التي تتناول السفاحين والقتلة المتسلسلين، أعلن المنتج أحمد السبكي أن السيناريست محمد صلاح العزب قد انتهى من كتابة 6 حلقات من المسلسل المزمع إنتاجه عن سفاح التجمع كريم مسلم - 46 سنة، الذي أثار ومازال الرأي العام في الأسابيع الأخيرة..
بعدما أتهم بقتل 3 نساء بطريقة بشعة وسادية ومارس معهن أعمال مخلة ودفنهن في الصحراء، والمسلسل مكون من 8 حلقات، وأنه في انتظار الحكم النهائي على هذا السفاح لاستكمال كتابة باقي الحلقات، والبدء في تصوير العمل المرشح لبطولته الفنان حسن الرداد مع حنان مطاوع..
ومن جانبه أكد محمد صلاح العزب الذي كتب أيضا العام الماضي مسلسل سفاح الجيزة عن قاتل متسلسل قتل بعض الأشخاص بمنطقة الجيزة وحكم عليه بالإعدام وحظي العمل بنجاح كبير، أن المسلسل الجديد يختلف تمامًا عن الأول لاختلاف شخصية وتركيبة السفاح في كل منهما..
وأنه تعامل بحذر شديد مع شخصية سفاح التجمع خاصة فيما يتعلق بأسلوب ارتكابه لجرائمه ضد النساء، والتي تحمل السادية والميول الجنسية المنحرفة لصعوبة تناول ذلك على الشاشة، وسيركز أكثر على الدوافع والخلفيات التي أخذته إلى هذا الطريق الإجرامي المشين.
قصص مثيرة وجاذبة
لا شك أن الأعمال الفنية سواء الأفلام أو المسلسلات أو المسرحيات، التي تتناول قصص السفاحين وعتاة المجرمين، تجذب أغلب الجماهير وتحقق شهرة واسعة ونجاحًا كبيرًا، لما تتسم به من تشويق وإثارة وغموض، خاصةً عندما تكون مستمدة من وقائع وحوادث حقيقية..
وبالفعل فازت بعض هذه الأعمال السينمائية بجوائز كبرى مثل الأوسكار! وهو ماينفي ما يتشدق به صناع السينما العالمية بأنهم لا يحبذون الأفلام الدموية، ويتهمون العرب والمسلمين بأنهم دمويون وإرهابيون وقتلة! ومن أشهر الأفلام الأجنبية من هذه النوعية SILENCE OF THE LAMBS أو صمت الحملان، الذي حصد 5 جوائز أوسكار عام 1991.
أما بالنسبة للسينما المصرية فقد كان تعاملها مع هذه النوعية من الأعمال ليس بنفس القوة والغزارة في الإنتاج، كذلك كان التناول فيه شيء كبير من الحذر والتخفيف من قسوة الواقع، مع عدم إغفال الدوافع النفسية والظروف القهرية التي دفعت مرتكبي هذه الجرائم البشعة إلى الإتيان بها، وبهذه الطريقة البشعة..
ومن أهم هذه الأفلام وأنجحها.. ريا وسكينة عن قصة سفحاتي الإسكندرية الشهيرتين، صاغها نجيب محفوظ وأخرجها صلاح أبو سيف، بطولة أنور وجدي ونجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم عام 1952، وحقق نجاحًا كبيرا فنيًا وجماهيريًا..
واللص والكلاب مستمد من أحداث حقيقية عن محمود سليمان الذي ارتكب عدة جرائم قتل، وسرق عدد من فيلات وشقق المشاهير مثل أم كلثوم ومها صبري، بطولة شكري سرحان وشادية وإخراج كمال الشيخ عام 1962، وقد نجح الفيلم في إثارة تعاطف الناس مع هذا السفاح الذي تعرض للخيانة من زوجته ومن بعض المقربين منه!
ومن ذات النوعية أيضًا من الأفلام ولكنها لم تحظ بنفس النجاح.. فيلم السفاح لهاني سلامة عام 2009 عن سفاح المهندسين أحمد المسيري الذي قتل مليونير وزوجته والخادمة وأطلق النار على حارس العقار وسيدة من الجيران، وتبين أنه من أسرة ميسورة ويسرق ويقتل لإشباع حاجته النفسية فقط نتيجة نشأته في أسرة مفككة.
الدراما التليفزيونية مساهمة أقل
الدراما التليفزيونية كان لها أيضًا نصيب من أعمال السفاحين والقتلة المتسلسلين ولكن بدرجة أقل، ولعل أكثر هذه الأعمال تكاملًا ونجاحًا واقترابًا من القصة الحقيقية، مسلسل ريا وسكينة عام 2005، بطولة عبلة كامل وسمية الخشاب، عن كتاب رجال حول ريا وسكينة لصلاح عيسى، كتبه مصطفى محرم وأخرجه جمال عبد الحميد..
مسلسل اللص والكلاب الذي قدم في السينما من قبل، بطولة رياض الخولي وهاني رمزي وإخراج أحمد خضر، مسلسل سفاح الجيزة الذي عرض العام الماضي وسبق أن تحدثنا عنه، بطولة أحمد فهمي وباسم سمرة وإخراج هادي الباجوري وحقق نجاحًا جيدًا، ولكنه لم يحدث تعاطفًا مع السفاح مثلما حدث مع بطل فيلم اللص والكلاب، الذي كان ضحية الغدر والخيانة والاستغلال.
إحذروا مثل هذه الأعمال
كما ذكرنا سلفًا أن مثل هذه الأعمال عن السفاحين والقتلة المتسلسلين، تلقى للأسف اهتمامًا واسعًا من الجمهور وتحقق نجاحًا كبيرًا، وهو ما يعد مؤشرًا في أوقات معينة على اتجاهات واهتمامات الناس ولكنها ليست دليلًا أكيدًا على انتشار العنف والجرائم الدموية في المجتمع..
ولكن ليس معنى ذلك توجيه دعوة مجانية لصناع الفن للإكثار من هذه النوعية التي لا فائدة منها، بل تتعدد أخطارها وموبقاتها وصارت من أولويات صناع الفن في الغرب خلال السنوات الأخيرة، بتوجيه متعمد من القائمين على المنصات ومن ورائهم مثل نتفليكس، آمازون، فيديو برايم، هولو وغيرهم!
حيث تروج هذه المنصات العالمية لقيم وأشياء خطيرة ودخيلة على مجتمعاتنا العربية، مثل المثلية الجنسية وزنا المحارم والعنف والجريمة بكل أنواعها والإلحاد وغيرها، وهو ما وجب الحذر منه تمامًا، خاصةً مع انسياق بعض المنصات العربية وراء محاولة محاكاة ما تبثه هذه المنصات دون وعي أو إدراك لخطورة هذا المخطط الممنهج..
ومن ثم فنحن لسنا في حاجة إلى مثل هذه الأعمال التي من نوعية سفاح الجيزة وسفاح التجمع التي لا تفيد المجتمع في شيء، بل تقدم نماذج سلبية وغير طبيعية ومشوهة وتعرض مشاهد قتل وعنف وسادية، تؤذي العين وقد تشجع على الجريمة والعنف عند أصحاب النفوس الضعيفة والمنحرفة، وما أحوجنا إلى الأعمال التي تحض على مكارم الأخلاق وتقدم سير العظماء من الساسة والعلماء والأبطال وما أكثرهم في تاريخنا والحمد لله.