رئيس التحرير
عصام كامل

زمن الجماعات والميليشيات!

وتبقي إيران القاسم المشترك الأعظم في فصول التصعيد الحادث بين دولة الكيان الغاصب، وبين الجماعات والكيانات التي تحسب نفسها علي ما يعرف بالإسلام السياسي، حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن والجماعات الاسلامية العراقية وغيرها!


هذا الاستيعاب الإيراني لهذه الجماعات، واضح وبشدة، عبر أدلة معلنة من إيران وتلك الجماعات علي حد سواء، وليست منكرة.. بينما تشدد إيران وتلك الجماعات والميليشيات علي أن هذا التوافق يستهدف دولة الكيان الغاصب والولايات المتحدة، الحاضن والمساند الأكبر لها، نلاحظ أن العداء الإيراني المعلن للولايات المتحدة ودولة الكيان الغاصب، يقابله في السر وجه آخر، اقرب للمهادنة أو المناورة.. 

 

ولعل المسرحية الهزلية لاطلاق الصواريخ الإيرانية علي دولة الكيان الغاصب التي وقعت قبل أشهر قليلة ضمن أحداث الحرب علي غزة، دليل قاطع علي أن هناك توافق ما في الخفاء بين الولايات المتحدة وإيران علي الأقل.. 

 

ففي أعقاب قصف طائرات جيش دولة الاحتلال الغاصب مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسقط عدد ليس بالقليل من القادة الأمنيين الإيرانيين بين قتلي ومصابين، ملأت إيران الدنيا  صخبا بأنها لن تمرر ذلك الحادث وسترد في عمق إسرائيل، وكلنا تابعنا ما اصطلح علي تسميته مسرحية إطلاق الصواريخ الإيرانية علي دولة الكيان الغاصب.. 

 

فالمصادر الاستخباراتية الامريكية هي من أعلن عبر وسائل الإعلام العالمية أن إيران أطلقت صواريخها، المنوعة القدرات والأحجام، صوب دولة الكيان الغاصب، وإنتظرالعالم أمام شاشات التلفزة لوصول الصواريخ الإيرانية إلي مدن دولة الكيان الغاصب، وبعد متابعة طويلة، أعلن الامريكين وحلفاءهم أنهم أسقطوا الصواريخ قبيل وصولها إلي حدود مدن دولة الكيان الغاصب!


الشاهد أن الصراع في منطقة الخليج دخل مرحلة مختلفة عقب قيام الثورة الإيرانية في العام1979 وسقوط حكم شاه إيران، وتعددت صور هذا الصراع الذي كان في غالبيته صراعا بالوكالة بين النظام الإيراني ودول منطقة الخليج، التي ناب عن هذه الدول الرئيس العراقي صدام حسين والقوات الامريكية علي التوالي ودون إنخراط بالتفاصيل يمكننا القول أن إيران حسمت صراعها مع دول منطقة الخليج. 


وكان إزاحة القوات الامريكية لصدام حسين وتفكيك الجيش العراقي بمثابة الدعم والمباركة لتدشين السيطرة الايرانية علي العراق، ولم يتوقف الاختراق الإيراني علي العراق، ولكنه إمتد ليشمل أربعة دول عربية، هم العراق ولبنان وسوريا واليمن.


فمن المعروف أن بعض دول الخليج هي من مولت ما قيل أنه الثورة السورية ضمن ما سمي بالربيع العربي في العام 2011 بمئات المليارات (راجعوا تسجيلات عديدة لنائب وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم)، ولكن النظام السوري أفسد مخططهم بمعاونة روسية صينية إيرانية، وكانت الأخيرة هي الأكثر وضوحا وتأثيرا وكان حزب الله ومقاتليه هم الأكثر دعما لميليشيات الجماعات المستأجرة!
 

وكان معروفا أيضا أن بعض دول الخليج هي من دعمت علي عبد الله صالح رئيس اليمن الراحل، خلال أحداث يناير 2011، ويسرت خروجه خروجا آمنا من السلطة فيما عرف بالمبادرة الخليجية، ولكنه رحمة الله عليه، إشتاق للسلطة فتعاهد مع الحوثيين المدعومين من إيران، لمداعبة النظام اليمني المدعوم خليجيا، وإنتهي المطاف بعلي عبد الله صالح قتيلا علي أيدي الحوثيين الذين أعلنوا السيطرة التامة علي اليمن في مواجهة النظام السياسي الذي ساندته بعض دول الخليج!


وخلال السنوات العشر الماضية خرجت قيادات حماس الخارج من دمشق واستقرت في الدوحة بمباركة أمريكية واستيعاب إيراني، سبق ذلك إنقلاب حماس علي السلطة الوطنية الفلسطينية من غزة، وكان مثيرا للاستغراب ذلك الدعم المادي الذي كانت تقدمه قطر لحماس في غزة ويتم تحويله عبر سلطات دولة الكيان الغاصب!


وتصاعدت الأحداث بما نفذته حماس وبعض الجماعات الفلسطينية الأخرى في السابع من أكتوبر الماضي، بإقتحام غلاف غزة وقتل وآسر المئات، ليتبع ذلك الحرب الاجرامية التي قامت بها قوات جيش الاحتلال الغاصب وراح ضحيتها مئات الألوف من الفلسطينيين بين شهداء ومفقودين ومصابين، وتم خلالها تدمير غزة تماما وأعيدت بنيتها التحتية للوراء خمسين عاما حسب تقديرات الأمم المتحدة.


وتزامن مع حرب غزة، تلك المناورات بين دولة الكيان الغاصب وبين الجماعات والميليشيات المتحالفة مع إيران، تزامن مع ذلك أيضا تلك التهديدات الامريكية للجميع بعدم السماح بتهديد إسرائيل من الجماعات المدعومة إيرانيا، ووصلت للمنطقة حاملات الطائرات الامريكية العملاقة تأكيدًا عمليا علي التعهد بحماية دولة الكيان الغاصب.


الشاهد أن لو تم مد الخط علي استقامته لاستنتجنا أمرا لافتا، فبعد تدمير عدة جيوش عربية عريقة، يجري ومنذ فترة إحلال الجماعات والميليشيات كقوي مسلحة تتقدم الصفوف مداعبة للوجدان العربي المتفاعل مع التغطيات التليفزيونية التي تبشر بإنتصار هذه الميليشيات والجماعات في مواجهة دولة الكيان الغاصب ومن وراءها!

 


الشاهد أيضا.. أن مسئولية شعوب الدول العربية القليلة وفي مقدمتها مصر، التي حافظت علي جيوشها وبنيانها، تتعاظم كل يوم لإحباط محاولات الهدم والتفكيك المستمرة والتي اظنها لن تتوقف.

الجريدة الرسمية