رئيس التحرير
عصام كامل

العالم لن يعيش في جلباب الدولار كثيرا (3)

ويظل السؤال الذى يشغل الجميع هل يمكن للعالم أن يتخلص أو يخلع عباءة الدولار للأبد لينجو من المقصلة الأمريكية، والسيف المسلط على رقاب الجميع بالمصادرة أو بخلق الأزمات العالمية أو بتجميد الاحتياطيات مثلما حدث مؤخرا مع روسيا ومن قبل إيران وليبيا وافغانستان؟!

الاجابة تكمن في كيفية التملص من قبضة الدولار دون مواجهة مباشرة مع واشنطن أو على الأقل تأجيلها إلى أن يشتد عود المواجهين؟ وأعتقد أن قيام بعض الدول في المرحلة الأولى بين أعضاء المجموعات الاقتصادية مثل البريكس بالتبادل التجارى بالعملات المحلية هو البداية.


وإذا كان البعض يستصعب هذه الخطوة أو يظنها مستحيلة فالرد بسيط بأن العالم مر بمراحل متعددة كان من بينها مرحلة المقايضة، أى مبادلة البضائع ببضائع أخرى وحتى وقت قريب كان التعامل بالعملات المحلية قبل ظهور الدولار وبمئات السنين.

 
وأعتقد أن جامعة الدول العربية لو ترجمت هذا الاتجاه في صورة قرار ملزم لجميع الدول العربية بالتبادل التجاري بينهم بالعملات المحلية خاصة بعد اتفاق بعض الدول على ذلك مثل الإمارات ومصر وتسير في هذا النهج بعض الدول البترولية.

 
تخيلوا معى أن الصين صاحبة الاقتصاد والتجارة الضخم والتى تستحوذ على نصيب كبير من التجارة العالمية قد قررت أن يكون تبادلها مع العالم كله بالعملات المحلية بعد أن بدأت مع روسيا وعدد من دول العالم المشوار.


ماذا إذا قرر الاتحاد الاوروبى إن يكون التعامل بين الأعضاء باليورو فقط، نعم أوروبا تابعة لواشنطن لكن أعتقد تعارض المصالح قد يكون منفذا للباحثين عن الخلاص.

 
طبعا الأمر ليس بهذه السهولة والسطحية لوجود العديد من العراقيل التى يمكن أن تجعل العالم في مهب الريح.. مثلا ستكون أول معضلة كبرى من بعض الدول الدائنة لأمريكا وقد وصلت المديونية الامريكية إلى رقم لا يصدقه العقل إلى أكثر من 36 تريليون دولار، كيف ستسترد فلوسها بعد أن ينهار الدولار؟!


ومن جهة ثانية ماذا ستفعل كل دول العالم التى تحتفظ بالاحتياطى التقدى لها بالدولار، وكلها ستتحول إلى مجرد ورق أرخص من الحبر الذى طبع بها.. ومن جهة أخرى كيف ستسترد دول أخرى الايداعات أو الاستثمارات بالدولار في الأسواق الأمريكية وغيرها؟


طبعا تراهن واشنطن على مثل هذه المعضلات وخسارة العالم كله ما لديه من ثروات إذا فكر في التحول عن الدولار وكله لصالح الكاوبوى الامريكى؟

 صدمة نيكسون 


لا أحد يشكك في هذه النتائج الكارثية، لكن تعالوا نستعيد ما حدث بالفعل من كوارث خطط لها الكاوبوى المريكى بحرفية من قبل وكانت آخرها الحرب الروسية الاوكرانية وقبلها كورونا وقبلها الأيام السوداء في البورصات العالمية وكلها بيد وتخطيط الامريكان، لكن مشكلتنا أننا ننسي أن واشنطن قررت أن تحصل على ثمن الانتصار قبل أن تضع الحرب العالمية الثانيه أوزارها.. 

حين بدأت تعمل بقوة للسيطرة على العالم بإنشاء نظام عالمي جديد تكون على قمته وفي القلب منه نظام عالمي اقتصادي جديد تكون واشنطن والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه، وباتفاقية BRETTON WOODS سنة 1944 تم إعتماد الدولار كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى.. 

 

باختصار ترسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، وبدأت مرحلة الخداع بالغطاء الذهبى للدولار وهى تمتلك 75% من ذهب العالم، وأصبح الدولار هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المغطاة بالذهب، مما دفع دول العالم إلى تكديس الدولارات بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي لها..

 
يعنى تم ترجمة الحلم الامريكى وبدأت أولى خطوات تحقق حلم العمّ سام بالسيطرة على الاقتصاد العالمي، ولكن حرب فيتنام (1956م – 1975م ) ونفقاتها الباهظة أظهرت الوجه الحقيقى للكاوبوى الامريكى للجميع.. 

 

وكانت صدمة نيكسون (الرئيس الامريكى وقتها) للعالم بالغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي الدولار، ولنفس السبب لم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك. 


ولكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديجول عام 1971م بتحويل الدولارات الامريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب (طالب بتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر الأونصة 35دولار)، عملًا باتفاقية BRETTON WOODS التي تسمح بذلك.. 

أدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة لاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الغاء التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا باسم NIXON SHOCK أو صدمة نيكسون.. وهكذا سرقت واشنطن كل احتياطى العالم!

 


يعنى التاريخ محتشد بالازمات والنهب والسرقة ومن إخراج سينما هوليود، وعلينا توقع ردود امريكية لا تخطر على البال، لكن ستكون الصرخة الكبرى إذا إتحد الجميع: لن نعيشفي في جلباب من يسرقنا منذ عام 1944!
YOUSRIELSAID@YAHOO.COM

الجريدة الرسمية