رئيس التحرير
عصام كامل

العالم لن يعيش في جلباب الدولار كثيرا (2)

سألت الأسبوع الماضى: هل نعيش الآن لحظة خلع الدولار من قمة الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمى، وعلى الأصح هل اقتربنا من انتهاء الحقبة الأمريكية خاصة والأسباب كثيرة منها انتهاء اتفاقية البترودولار من أسابيع قليلة، والتى لم تكن بمفردها الوحيدة في مجال تمرد بعض القوة العالمية الجديدة من الهيمنة الأمريكية وفي مقدمتها الصين وروسيا وحتى أوروبا التى تعلنها صراحة أو ضمنا بأنها لن تستمر في العيش في جلباب ماما أمريكا؟!


والسؤال التالى الذى يطرح نفسه بقوة هل تعب العالم من حقبة الدولار وقرر التمرد صارخا لن نعيش في جلباب الدولار؟! المؤشرات الظاهرية تؤكد ذلك، والواقع والتجربة يؤكدان العكس لصعوبة صمت الأسد الأمريكى ضد محاولات خلع أنيابه وتقليم أظافره وهو يتفرج.

 
في البداية هناك العديد من المؤشرات والأفعال التى أدت إلى زيادة صرخات التمرد على الدولار وهى كثيرة منها: زيادة إشهار سيف فرض العقوبات وتجميد الأرصدة الدولارية ضد كل من يحاول الخروج من العباءة الامريكية وللدرجة التى فرضتها على القوة الثانية العظمى فى العالم وهى روسيا بسبب الحرب الأوكرانية وهو ما وصفته موسكو بسرقة القرن بعد تجميد أوروبا فقط لنحو 350 مليار دولار وهو ما يقارب نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي. 


وإعلان الرئيس الأمريكى بايدن في فبراير 2022 بتجميد أصول البنك المركزى الروسى والحد من قدرته للوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطياته، لقتل الروبل أمام الدولار، يعنى العقاب محاولة تدميرروسيا اقتصاديا، ودون مشاركة جندى أمريكى واحد في الحرب,

لذلك هدد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بوقف صادرات الغاز إلى الدول التى لا تفتح حسابا في بنك روسى والدفع بالعملة الروسية، حتى ينقذ الروبل.
 

والأدهى من ذلك الإعلان أن العقوبات لن تقف إلى حد التجميد الذى يمكن فكه بعد ذلك، بل مصادرة الأموال وتوجيهها إلى أوكرانيا لإعادة البناء وهم طبعا من سيتولون الإعمار يعنى السرقة من جميع الوجوه.

 
وطبعا روسيا ردت بمصادرة أموال بعض المنشأت الأمريكية في روسيا بما ينذر بحرب من نوع جديد هى حرب مصادرة الأصول والأموال بين الجانبين لتدخل مرحلة لم يشهد التاريخ مثيلا لها، واحتمال إمتداد الاشتباك القانوني الناجم عنها لعقود طويلة.


وللبيت الأبيض تاريخ طويل من هذا النوع من الحروب، فقد أطلقت الولايات المتحدة هذا السلاح ضد العديد من دول العالم الأخرى على سبيل المثال جمدت واشنطن والغرب منذ أكثر من ثلاثة عقود الأصول والأرصدة الإيرانية (نحو 120 مليار دولار) ولا تزال الكثير منها مجمدة في البنوك العالمية حتى الآن.

 
وكذلك بعد قرابة شهر من سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، وإنهيار السلطة التابعة للولايات المتحدة، قامت واشنطن بتجميد معظم أصول البنك المركزي، والبالغة 9.5 مليارات دولار. كما منعت واشنطن الرئيس الليبى معمر القذافى وأسرته من التصرف فى أصول ليبية قيمتها نحو 30 مليار دولار في الولايات المتحدة.. كما جمدت واشنطن أرصدة البنك المركزي الأرجنتيني.. 

 

وهكذا تحول الدولار من عملة تجارة عالمية إلى سلاح للدمار الاقتصادى الشامل للدولة أو الكيان المراد معاقبته، يعنى أنه أصبح سيف القوة والهيمنة في الحروب والنزاعات والتهديدات والعقوبات.. فهو سلاح أمريكى بدون بذل نقطه عرق.. يتم به وقف أصول الدولارفي البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم، والنتيجة عزل الدولة المعنية بذلك الإجراء ومحاصرتها واستنزافها اقتصاديا حتى تسقط!


وهكذا أشهر الكاوبوى سيف الدولار المحصن بالبلطجة العسكرية ضد أكثر من نصف دول العالم مما رفع نبرة التمرد لإسقاط هذا السيف من فوق رقبتهم.

 
البريكس والتمرد على الدولار

بدأت محاولات التمرد على الدولار بصور متعددة وعلى سبيل المثال شكلت روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل مجموعة بريكس، وإنضمت لهم منذ يناير الماضى مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا. 
 

والناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة بريكس وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي 2023 يمثل 28.3 بالمئة من الاقتصاد العالمي في العام 2023، وتسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.. يعنى قوة عالمية لا يستهان بها.

 
والهدف الرئيسى للمجموعة مواجهة هيمنة الدولار بالتعامل بالعملات المحلية لدول المجموعة حتى يتم إيجاد عملة خاصة بدول البريكس.. وتهدف بريكس إلى عدم الإعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال تفعيل وتقوية مؤسسات أخرى بديلة مثل البنك الآسيوي للتنمية.. 


وبدأت رحلة الالف ميل بخطوة منذ سنوات للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب في وجه الكاوبوى ودولاره.. ومع زيادة عدد دول مجموعة بريكس إلى 10 دول سيكون عدد سكان دول المجموعة أكثر من 3 مليارات و625 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40% ة قبل انضمام هذه الدول.

 


والسؤال المهم هل ستترك واشنطن وأوروبا تكتل البريكس ينمو ويستمر أم سيقفوا بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة ضد إستمرار حياته الذى يعنى وجوده سحب البساط من تحت الهيمنة الامريكية الغربية على الاقتصاد العالمى بل والعالم كله؟! وللحديث بقيه 
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية