العالم لن يعيش فى جلباب الدولار كثيرا (1)
لم يتوقف الكثيرون أمام خبر انتهاء اتفاقية البترودولار التى ربطت سعر وبيع البترول بالدولار منذ يونيو 1974 والتى انتهت فى 10 يونيو الماضى بعد انتهاء 50 عاما من توقيعها.. ولا أحد يعرف هل سيتم تجديدها أم لا؟!
طبعا توقيع هذه الاتفاقية كانت من آثار بذل المصريين والسوريين لدمائهم فى حرب اكتوبر 1973 التى رفعت أسعار النفط والثروة العربية إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ لذلك بدأ التحرك الأمريكى للاستفادة من ذلك!
وكان للتورط الأمريكى في حرب فيتنام التى استنزفت الميزانية الامريكية سببا اضافيا، والمهم أن اتفاقية البترودولار جاءت للرغبة الامريكية في استبدال البترول بغطاء الذهب للدولار التى نزعته في 1971 فيما عرف بصدمة نيكسون للعالم، حين أعلن الرئيس الامريكى نيكسون نزع غطاء الذهب عن الدولار، وتسبب بذلك في كارثة كبرى لدول العالم التى كانت تربط عملتها بالعملة الامريكية بعد تحويل احتياطياتها من الذهب إلى الدولار.
ولتصور الكارثة علينا أن نعرف إن إعلان أمريكا للعالم بأن لكل دولار ما يقابله من الذهب (وكان سعر الاونصة 35 دولارا) مما جعل البنوك المركزية لدول العالم تتهافتت على الدولار لتكوين احتياطياتها كبديل عن الذهب، وساهم في ذلك سهولة إدارة العملة عن الذهب، واقتنع العالم أن الأميركيين ينتجون ذهبا عندما يطبعون الدولارات..
طبعا هذا التحرك جاء بعد اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944، بعد الاتفاق بين 44 دولة على ربط عملة واحدة فقط بالذهب ووقع الاختيار على أن يكون الدولار الأمريكى هو تلك العملة المرتبطة بالذهب، وتكون عملة احتياطى النقد العالمى.
البترول العربى بدلا من الذهب
لكن بصورة هوليودية وعلى طريقة أفلام الكاوبوى تغير الوضع.. كيف؟ في عام 1971 أعلن نيكسون نزع غطاء الذهب عن الدولار، فيما يمكن أن يطلق عليه أكبر عمليه سرقة أو نصب في التاريخ حين وجد العالم كله أن كل ما يملكه من ذهب كاحتياطى وثروة أصبح مجرد حفنة من الورق يطلق عليها الدولار المنزوع الذهب!
وخسرت العديد من دول العالم الاحتياطى المركزى من الذهب بعد أن حولته إلى أوراق تسمى الدولار في أكبر كارثة اقتصادية، وبدأ عهد جديد تتصدره صورة جديدة ل الفتوة أو البلطجى للكاوبوى الامريكى الذى يفرض سيطرته على العالم بالعضلات وليس بالثروة..
وبعد أن هدأت الضجة وإبتلع الكاوبوى ثروة العالم إنزعج من بزوغ ثروة جديدة ممثلة في البترول العربى في الشرق الاوسط.. لذلك سعى الرئيس الامريكى نيكسون بعد ذلك لنوع جديد من فرض الهيمنة على العالم بعد سرقة الذهب الاصفر بالانتقال إلى مرحلة الذهب الأسود بربط بيعه بالدولار،
والنتيجه هى تربع الدولار على عرش العالم تحميه الاساطيل الامريكية وأصبح الدولار هوالعملة الرئيسية للتبادل التجاري الدولي..
وكانت النتائج كثيرة منها.. هيمنة الاقتصاد الأمريكي على العالم مع قدرة تفاوضية قوية ومهيمنة على التجارة العالمية، وإرتفاع قيمة الأصول الأمريكية مثل السندات الحكومية وسيولة الأصول وسهولة الإقتراض والإنفاق بعد زيادة الطلب العالمي المستمر على الدولار.
وظهرما يطلق عليه تسليح الدولار من خلال فرض الكاوبوى الامريكى لعصا السيطرة على من يحاول التمرد عليه بفرض العقوبات المالية الدولية باعتبار الدولار هو العملة الرئيسية.
ونحن نعيش غرائب وعجائب في حقبة الدولار تخرج عن المنطق الذى فرضه الواقع الاقتصادى والدراسات الاقتصادية ذاتها، فعلى سبيل المثال تنهار عملة اى دولة في العالم إذا زادت ديونها عن إجمالى دخلها القومى بشكل لا يمكن تداركه.. تعالوا نطبق هذا على أمريكا فنجد أنها تعتبر أكبر مدين ليس في اللحظة الراهنة بل على مر التاريخ.. والأغرب أنها مدينة بنفس عملتها التى تتزعم بها العالم..
ويكون السؤال ألا يضع هذا الدين غير المسبوق بلده موضع الشك والريبة بعد أن وصل إلى 34 تريليون دولارفي الوقت الذى لا يزيد فيه الاحتياطى العالمى نحو 12 تريليون دولار؟! وأيضا ألا تستطيع أمريكا في لحظة معينة أن تضع العالم في كارثة كبرى وتطبع ال 34 تريليون دولار كما هدد من قبل الرئيس الامريكى دونالد ترامب؟!
يدعم ذلك انها هى صاحبة العملة وهى مالكة اصداره وبدون غطاء ذهب كما قلنا منذ عام 1971،
ومن يقول إستحالة ذلك لما سيسببه من إنهيار عالمى، فالرد عليه ببساطة.. لقد فعلتها أمريكا في كثير من المرات ويكفى أن أذكر حين إستيقظ العالم كله بإعلان واشنطن أن الدولار بلا غطاء من ذهب، وأن ما يملكه العالم في خزائنه مجرد أطنان من الورق لا تساوى الحبر الذى طبع به وخبط العالم كله رأسه في الحيط!
مسلسل الدولار العجائبي
تعالوا نستكمل بعض حلقات مسلسل الدولار العجائبي حيث تقف واشنطن في ذيل الاحتياطى العالمى من الدولار.. وهذه علامة استفهامية وغرائبية في نفس الوقت! فطبقا لأحدث تقرير لصندوق النقد الدولي يؤكد أن الصين في المرتبة الأولى عالميًا باحتياطيات 3.4 تريليون دولار متقدمة عن أكبر 10 دول إمتلاكًا لاحتياطى النقد الأجنبى بالدولار..
ثم اليابان 1.25 تريليون، وسويسرا 912 مليار، والهند 596 مليار، وروسيا 587 مليار، وتايوان 561 مليار، وهونج كونج 430 مليار، وكوريا الجنوبية 423 مليار، والسعودية 404 مليارات، والبرازيل 341 مليار والغريب هو أن الولايات المتحدة، ليس من بين هؤلاء الدول العشر، حيث إن ما لديها 242 مليار دولار فقط.
خلع الدولار
لكن مع العديد من التطورات العالمية الحالية يكون السؤال: هل نعيش الآن لحظة خلع الدولار من قمة الهيمنة الامريكية على الاقتصاد العالمى، وهل اقتربنا من إنتهاء الحقبة الامريكية خاصة والأسباب كثيرة منها أن إنتهاء اتفاقية البترودولار من أسابيع قليلة لم تكن بمفردها، حيث تمردت بعض القوة العالمية الجديدة على الهيمنة الامريكية وفى مقدمتها الصين وروسيا وحتى أوروبا التى تعلنها صراحة أو ضمنا بأنها لن تستمر في العيش في جلباب ماما أمريكا!
البقيه الاسبوع القادم
yousrielsaid@yahoo.com