في أنوار المعية
منذ قرابة الخمسين عاما كنت في مجلس شيخي وأستاذي العارف بالله تعالى سيدي الشيخ أحمد يوسف البيه، فسألته عن قول أحد العارفين بالله: “من كان الله معه فمن عليه. ومن كان الله عليه فمن معه؟ من وجد الله تعالى فماذا فقد. ومن فقد الله تعالى فماذا وجد؟”
فأجابني رضي الله عنه قائلا: هذه الأقوال من أنوار وعلوم المعارف التي يشرق الله سبحانه بها على قلوب أولياءه وهي تشير إلى المعية.. معية الله عز وجل. فمن أقامه الله تعالى في معيته ملك الدنيا وما فيها وأستغنى بالله تعالى عن جميع الخلق، وكان مؤيدا من الله عز وجل، ممدودا عزيزا منتصرا محفوظا.
هذا ومقام العبد في المعية يأتي على أثر نظر الله تعالى له بعين العناية الإلهية.. هنا إستوقفتهٌ رضي الله عنه سائًلا: شيخي أعلم أن الكون كله بما فيه من عوالم وخلق وكائنات قائم في معية الله عز وجل. فهل هناك معية خاصة؟ قال: بلى، هناك معيتان.
معية عامة وهي لجميع الخلق وهي معية كفالة الله وتوليه أمر الخلق وأرزاقهم، وهذه المعية بحكم كونه تعالى رب العالمين، فهو القائم على أمرهم والمدبر لشئونهم والرازق والممد لهم. وهي معية عامة لا يخرج عنها كائن ما كان من الخلق فكل الخلائق تتقلب فيها..
أما المعية الخاصة، فهي عناية من الله خاصة بعباده المؤمنين أهل الصلاح والتقوي والصدق والإخلاص والإحسان وأهل الصبر والرضى والتسليم.. يقول جل جلاله "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ". ويقول تبارك في علاه "وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ". ويقول عز من قائل "اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".
وأعلم أن لمعية الله الخاصة صورا متعددة، منها: معية النٌصرة والعناية والرعاية الإلهية، وهي المُشار إليها بقول النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لسيدنا أبا بكر وهما في الغار عندما شعر بحزنه. قال "لا تحزن إن الله معنا".
وهناك معية التثبيت والحفظ والتأمين والتأييد وهي التي أشار الله تعالى إليها في خطابه لسيدنا موسى وأخيه سيدنا هارون عليهما السلام عندما كلفهما بالرسالة وأمرهما بالتوجه إلى فرعون. قال سبحانه "اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى".
وقوله تعالى على لسان سيدنا موسى عندما طارده فرعون وجيشه وخاف أتباعه. قال "إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ". وهناك معية المدد والنصرة وهي المشار إليها بقوله سبحانه وتعالى "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا"..
وهناك معية الرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام وهي منبثقة من معية الله تعالى وهي المشار إليها بقول الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".
عزيزي القارئ نستكمل الحديث بمشيئة الله تعالى في مقال قادم..