رئيس التحرير
عصام كامل

تَظَلم لترى عجبًا

حاولت قدر إمكاني تربية أولادي على ما رُبيت عليه من قيم ومبادئ رغم اختلاف أيامهم وصعوبتها.. واستطعت بفضل من الله ان أُحببهم في التفوق الدراسي مع وضع ألف خط أحمر تحت كلمة دراسي لأن ما لدينا وللأسف الشديد دراسة وليس تعليمًا فعلاقة الطالب بالمعلومة تنتهي بمجرد أن يسلم ورقة إجابته..


وقد كان أولادي على قدر المسؤولية ومنحوني شرف أن أراهم دائما على منصة التتويج، وهذا العام كانت ابنتي في الشهادة الإعدادية وظهرت النتيجة وإذا بدرجة واحدة تحول بينها وبين أن تحصل على الدرجة النهائية لتكون الأولى على الجمهورية ووجدت أن الدرجة الضائعة هذه في اللغة العربية.

 
ولأنني علمتهم أنه لا يضيع حق وراءه مُطالب ولثقة ابنتي في إجابتها أصرت على عمل تظلم في المادة.. وبالفعل ذهبت لعمل التظلم وبعد إجراءات بسيطة نسبيًا تحدد لي موعد لكي أرى ورقة إجابة ابنتي وذهبت..

 

وهنا بدأ فصل من مسرحية هزلية ما زلتُ أراه أمام عيني إلى الأن.. وجدت أباءً وأمهات ومعهم أبناؤهم.. صبية وفتايات رأيت على وجوههم خليطا من المشاعر.. أمل في استعادة حقهم وخوف من ألا يكون لهم حق.. ترقب لدرجة أو أكثر وربما أقل تعيد لهم الثقة في انفسهم وتدخل مزيد من الفرح على قلوب أهاليهم.

 
رأيت هؤلاء يرددون كلامًا عجبًا.. أحدهم خرج وعلى وجهه مزيج من الابتسام والاندهاش لأنه حصل على درجتين كان قد فقدهما لخطأ في تجميع درجاته، لا تستعجب عزيزي القارئ نعم ما قرأته صحيح خطأ في التجميع.

 
ورأيت فتاة رقيقة جميلة وقد امتلأت عيونها البريئة بالدموع لأن هناك سؤالا كاملا لم يتم تصحيحه في إحدى المواد، وإجابة صحيحة في مادة أخرى احتسبها المصحح خطأ، وغيرها كثيرمن بناتنا وأبنائنا رأيتهم في هذا اليوم الذي ما زالت آثار ما أصابني من دهشة تلاحقني حتى اليوم.


أفقت من دهشتي على صوت يدعوني للدخول حتى أرى ورقة إجابة إبنتي في مادة اللغة العربية فوجدت الخطأ في أن إبنتي كتبت إسم الزمان المطلوب إجابة على السؤال{معاد}، وقبل أن أكتب التقرير المطلوب سألت استاذا في كلية الآداب قسم اللغة العربية وآخر في كلية التربية وكل اساتذتي ممن تعلمت على أيديهم سواء في مراحل تعليمي المختلفة أو في الإذاعة وإذا بهم يقولون إن ابنتك تستحق التكريم لإنها فكرت هكذا وطالبتُ بإعادة تصحيح السؤال.


وبعد مدة خرجت نتيجة التظلم ولم تحصل ابنتي على درجتها الضائعة.. مما وضعني في حيرة ومأزق.. ودار بداخلي ألف سؤال لم أستطع حتى كتابة هذه السطور الإجابة على أي منهم، من المخطئ ومن المصيب ابنتي وأساتذة الجامعة وأساتذتي وزملائي أم المصحح وموجه المادة الذي راجع؟!


هل أخطأت عندما علمت أولادي حب التفوق؟! هل تجاوزت في حقهم عندما لم أعلمهم أن هناك درجات تضيع إما لخطأ في التجميع أو لأسئلة كاملة لم تصحح أو تحسب خطأ؟! هل لم آخذ في اعتباري وأنا أربيهم أننا أصبحنا في زمن النظرة النسبية للثوابت وأنها باتت وجهات نظر؟! هل وهل وألف هل لا أملك لها إجابة.

 


حقيقة وصدقا ويقينا لا أملك.. فقط كل ما أملكه أن لا أمل من تعليمهم قيم الحق والعدل والجمال.. أن أعيد صياغة مفهوم التفوق لديهم وأنه ليس في ترتيب أو درجة ضائعة وإنما التفوق الحقيقي في قدرتك على تحقيق حلمك.. واستمرارك في صناعة الأحلام وإيجاد البدائل دائما لأي حلم ضائع..

الجريدة الرسمية