زكى قدرة
يقف عادل أدهم في واحد من أروع المشاهد السينمائية العربية في فيلم حكمتك يا رب، بعد اقتحام قوات الشرطة مقر إدارة أخطر أوكار المخدرات، وبلغة سينمائية عميقة الأثر يتحرك زكى قدرة وهو يشير إلى سناء جميل «دى المعلمة صاحبة الزريبة يا بيه، هى الراس الكبيرة بتاعتنا كلنا، وهى صاحبة البضاعة كلها..أنا بريء يا سعادة البيه.. ادبح يا زكى قدرة يدبح زكى قدرة.. اسلخ يا زكى قدرة يسلخ زكى قدرة.. طلع يا زكى قدرة يطلع زكى قدرة»..
في هذا المشهد العبقرى تتحول شخصية زكى قدرة إلى وظيفة ثانوية، غير أنها صاحبة الفعل الشنيع في المجتمع، وظيفة تقوم بتنفيذ كل أوامر المعلمين الكبار، وبعيدا عن القيم والنهايات السينمائية العادلة عادة ما يتحمل صاحب وظيفة زكى قدرة النتيجة، ويظل المعلم الكبير بمنأى عن الحساب والعقاب.
وزكى قدرة كوظيفة يتعاظم دورها فى مجتمعات الظلام والعتمة وغياب الشفافية، وكلما ضاقت الحياة واشتد الظرف الاقتصادى يصبح المقبلون على وظيفة زكى قدرة أكثر من تصوراتنا، ففى الأزمات الاقتصادية يصبح هذا العمل مغريا لأصحاب النفوس الضعيفة أو التى تعانى من ضيق الحياة.
وقد يكون زكى قدرة مدير فرن بلدى يدخل السجن بدلا من صاحب الفرن، وقد يكون مديرا عاما في مكان مرموق، بل قد يصل الأمر بزكى قدرة إلى أن يصعد من فكرة الغفير إلى الوزير، وكم من زكى قدرة وهو صاحب هيلمان وصولجان وحرس وسكرتارية ومظاهر مبالغ فيها من سطوة النفوذ، ولكنه فى النهاية ليس إلا زكى قدرة.
كثير من قضايا الفساد الكبرى تنتهى عند التضحية بزكى قدرة، وهناك قبضايات وفتوات كبار تحملوا مهام كبرى في دول كثيرة، وبدلا من أن يصبحوا زكى قدرة صنعوا لأنفسهم مئات وآلافا من زكى قدرة، واحد من أهم مشاهير العصر في الفتونة لديه جيش جرار من البلطجية ينفذون ما يوكل إليهم، وعند القبض عليهم ينفق على أسرهم الفتوة الكبير الذى هو أيضًا فى الأساس مجرد زكى قدرة.
وفي التاريخ الحديث كان في مصر زكى قدرة كبير، وكان يعمل مع الكبار، الكبار قوي، وعندما سقط العمود الفقرى للسيستم كله وجد نفسه بين جدران أربعة، ولم يقوَ على استبدال نفسه بزكى قدرة صغير من أتباعه، وبعد تبدل الأحوال خرج الرجل إلى جمهوره العريض ومهامه الجديدة.
وفي مصر مئات ممن يعملون زكى قدرة وهم مخلصون في أداء أعمالهم، وعادة ما تكون المهام الموكلة إليهم أعمالا غير قانونية تحتاج إلى تضحيات، وليس من المعتاد أن ينتهى الأمر بكل زكى قدرة إلى السجن، فمنهم من يعيش حياة الرفاهية والرغد كنتيجة طبيعية لحجم المخاطر التى تحيط بأعمالهم.
وزكى قدرة ليس بالضرورة أن يكون خارج إطار الحماية، فقد يكون محميا بشكل غير طبيعى إذا ما سارت الأمور على النحو المرسوم له، وربما يكون النحو المرسوم له صادر عن زكى قدرة أكبر صاحب نفوذ قانونى أو رسمى أو محمى برأسمال أكبر، وكم من زكى قدرة راح دون أن يعترف على زكى قدرة أكبر منه مقابل حياة طيبة له ولأسرته!
ونتيجة للمغريات التى تحظى بها وظيفة زكى قدرة فإنها تعد من الوظائف ذات العوائد الكبيرة، وقد لا يكون مطلوبا فيها إلا قليلا من المغامرة وكثيرا من التضحيات إذا ما سقط سور الحماية، ومنهم من يعيش في قصور ويسيرون في مواكب من السيارات الفارهة، وعادة ما يكونون مسلحين.
وقد يكون زكى قدرة كمهنة منتشرًا في الصحافة والثقافة، وفي الفن والرياضة، وكلهم يقومون بما يقوم به زكى قدرة الفتوة أو مهرب المخدرات أو المكلف بخطف بشر أو الاستيلاء على أراض وشقق وبيوت وقصور، وما أكثرهم الآن في مجالات جديدة لم نكن نتصور أن يصل إليها زكى قدرة.
وقديما كانت مهنة زكى قدرة معروفة في قاع المجتمع، ولم تصعد إلى قمته إلا في عصور الغفلة والعتمة وسيادة روح الفهلوة، وأصبحت ذات شأن كلما تعاظم دور الهليبة، وليس بالضرورة أن يكون زكى قدرة ظالمًا، فحديثا بدأ البعض يستعين به فى إحقاق حق لو سار صاحبه إلى الطرق القانونية فإنه لن يحصل عليه.
وزكى قدرة ليس مصريًّا خالصا، فهناك دول كبرى استعانت بزكى قدرة، ومن بينها الميليشيات المسلحة التى تدار بوساطة دول كبرى لتحقيق مصالح لا يمكن تحقيقها من خلال مؤسسات رسمية، والعالم من حولنا أصبح في معظم صراعاته يعتمد اعتمادًا كبيرًا على فرق من زكى قدرة.