رئيس التحرير
عصام كامل

ماضي وبداية

في ظلمة الليل، وتحت السماء المليئة بالنجوم، كان هناك رجل يدعى إيليا، كان إيليا يعيش في قرية صغيرة ويعرفه الجميع بأنه رجل طيب القلب ومحب للخير، لكن لم يعرف أحد قصته الحقيقية أو لماذا ترك بلدته الأصلية وصار يعيش بينهم بعيدًا عن أهله أو قريته التي ولد وعاش بها في شبابه.

 

لكن الحقيقة كانت أنه منذ سنوات، انحرف إيليا عن الطريق المستقيم ووقع في فخ الخطيئة. لم يكن قديسًا في شبابه، بل كان يسير في طرق مظلمة، ممتلئة بالذنوب والخطايا. كلما ارتكب خطيئة، كان يشعر بثقلها على قلبه وروحه، لكنه لم يكن يجرؤ على العودة إلى الله، ظنًا منه أنه لا يستحق المغفرة وأن الله قد أغلق بابه في وجهه ولم يعد يريده، ولم يعد يبحث عنه مثل الدرهم المفقود أو الخروف الضال.

 

ولكن وفي إحدى الليالي، بينما كان إيليا يجلس وحيدًا، يملأه الحزن والندم وصوت التفكير يعلو في قلبه مع كل ثانية ومستغرقًا في تفكيره في حياته وفي خطاياه التي غطت قلبه وتملكته، سمع صوتًا في قلبه يقول: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى 11: 28). 

 

كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياته. واستذكر إيليا كلمات القديس يوحنا ذهبي الفم التي كان سمعها ذات يوم من خادم مدارس الأحد في طفولته عندما علمهم قائلًا: "الله ينظر للإنسان الخاطىء كمريض يحتاج للعلاج وليس كمجرم يستحق العقاب".

 

بكلمات مليئة بالأمل والرجاء عندما رنت في أذن صديقنا، انفتح قلب إيليا واستجاب لدعوة الله. ذهب إلى الكنيسة وصلى بخشوع لأول مرة مثلما فعلت القديسة مريم المصرية والقديس القوي الأنبا موسى الأسود، طالبًا المغفرة والرحمة.

 

في تلك اللحظة، شعر وكأن حملًا ثقيلًا قد انزاح عن كتفيه، وشعر براحة وسلام لم يشعر بهما من قبل، كأنه ولد مرة أخرى في تلك اللحظة، وكأنه صار إنسانًا جديدًا كليًا غير الذي عاش به كل سنين عمره الماضية وقرر من تلك اللحظة أن يعيش في مدينة أخرى لا يعرف فيها أحد ماضيه أو عمره الذي قضاه في الخطية.

 

قصة إيليا تُذكرنا جميعًا بأن الله ليس قاضيًا قاسيًا، بل هو طبيب يشفي أرواحنا المريضة. يقول الكتاب المقدس في (مزمور 103: 3): "الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ".. الله يعرف أننا بشر نخطئ ونزل، ولكنه لا يتركنا في ظلمة خطايانا، بل يدعونا إلى نوره العجيب ليشفينا ويعيدنا إلى طهارة نفوسنا.

 

في كل مرة نشعر فيها بثقل الخطيئة، يجب أن نتذكر أن الله لا يرانا كمدانين مستحقين للعقاب، بل كأبناء مريضين بحاجة إلى علاجه ورعايته. يقول الرب في (إشعياء 1: 18): "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ".

 

 

وهكذا، يا صديقي، نتعلم من هذه القصة ومن كلمات القديس يوحنا ذهبي الفم أن الله لا يريد أن يعاقبنا، بل يريد أن يشفي قلوبنا المجروحة ويعيدنا إليه. لذا، دعونا نتوجه إلى الله بقلوب منكسرة وأرواح تائبة، واثقين أن رحمته ومحبته لا تنتهي، وأنه سيشفي كل جراحنا ويغفر كل خطايانا.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية