العقول المحدودة والشللية أفسدوا الفن في مصر!
تتعالى الأصوات بل وتصرخ أحيانًا منذ فترة ليست بالقليلة، تتحدث عن وجود أزمة خطيرة في الورق، السيناريو في السينما والتليفزيون والنص بالنسبة للمسرح، ويشتكي الجميع من فنانين ومنتجين ومخرجين ونقاد من ندرة الورق الجيد، وهو ما انعكس بشكل سلبي على مستوى الأعمال التي تقدم، والتي شهدت تراجعًا مخيفًا منذ بداية الألفية الجديدة، حتى بلغت الذروة في السنوات الأخيرة!
وحقيقة أرى على خلاف ذلك أن أزمة الورق مصطنعة وبفعل فاعل؟ وليست هي السبب فيما وصلنا إليه من تردي وانحدار وضعف شديد في السينما والتليفزيون والمسرح، فأزمة الورق المزعومة تكمن في أزمة العقول المحدودة الضيقة التي صارت تهيمن على العملية الفنية برمتها، والتي لا تدع فرصة لأحدى كي يبدع ويقدم الفن الهادف المختلف، والتي لا تحاول قط أن تتعب نفسها في التفكير والبحث عن موضوعات جيدة تصلح لأن تقدم في أعمال فنية..
وما أكثر هذه الموضوعات التي تركها لنا كبار الأدباء والكتاب من روايات وقصص قصيرة ونصوص مسرحية، والتي تنبه لها صناع الفن في العصر الذهبي له في الخمسينيات والستينيات فنهلوا منها كيفما شاءوا، وقدموا لنا الأفلام العظيمة التي صارت من كلاسيكيات السينما، وهو ما ينطبق على التليفزيون بعد ظهوره في مطلع الستينيات حيث أخرج لنا عدد كبير من المسلسلات الرائعة واستمر هذا النهج حتى نهاية التسعينيات..
كذلك لا يمكن إغفال أعمال الأدباء وكتاب السيناريو من الشباب وقتها الذين لمعوا من جيل الثمانينيات والتسعينيات وأكملوا مسيرة الرواد أمثال وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة وبشير الديك وصالح مرسي ويسري الجندي ومحمد جلال عبد القوي وغيرهم.
قيم عصر الانفتاح
بدأ التراجع في السينما والتليفزيون والمسرح مع عصر الانفتاح وحدوث تغير كبير في منظومة القيم والأولويات بشكل سلبي، ثم أخذ هذا التراجع في الازدياد شيئًا فشيء وبلغ ذروته خاصة في السينما مع حقبة التسعينيات حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن..
وليس معنى تحقيق عدد من الأفلام لأرقام ضخمة في شباك التذاكر وأخرها فيلم ولاد رزق 3 الذي حصد نحو 180 مليون جنيه في 15 يوم عرض، أن هذه الأفلام جيدة ولا يوجد تراجع شديد في السينما المصرية في السنوات الأخيرة كيفًا وكمًا. فالإيرادات المرتفعة ليست بالضرورة دليلًا على جودة الفيلم كما ذكرنا مرارًا وتكرارا.
أما عن الدراما التليفزيونية، فمع رحيل أخر جيل للمبدعين الحقيقين أمثال أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحمد صفاء عامر والفريد فرج ومصطفى محرم وتجاهل محمد جلال عبد القوي، في مقابل صعود صاروخي عجيب لمجموعة من المؤلفين الجدد ومعظمهم من محدودي الموهبة وأنصاف الموهوبين، وظهور وتفشي ما يعرف ب ورش التأليف التي هي أحد الأسباب الرئيسة في ضعف وسطحية وإسفاف ما يقدم من أعمال تليفزيونية أولًا وسينمائية ثانيًا في السنوات الأخيرة!..
وذلك على الرغم من توافر الإمكانات المادية والبشرية الضخمة بشكل غير مسبوق وهو ما تعكسه أعمال مثل الحشاشين وجودر وكيرة والجن وولاد رزق 3 بعيدًا عن المضمون والقيمة الفكرية والفنية والذي لن يكون في صالح أغلب هذه الأعمال للأسف!
العودة إلى كبار الأدباء
رغم الصورة غير الوردية لحال الدراما السينمائية والتليفزيونية والمسرح في مصر حاليًا، إلا أن كل هذا لا ينفي وجود مجموعة متميزة من الكتاب على محدوديتها وسط الكم الكبير من معدومي الموهبة وأنصافها!
ومن هؤلاء عبد الرحيم كمال، مدحت العدل، مريم نعوم، شيرين وخالد دياب، باهر دويدار، أحمد مراد، محمد سليمان عبد المالك، يمكن لهم بمساعدة النجوم الموهوبين المثقفين وهم يعدون على أصابع الأيدي الواحدة للأسف! بجانب المخرجين الجادين الفاهمين والمنتجين المحترمين المعدودين أيضًا، الارتقاء بمضمون المنتج الفني الذي يطرح للجمهور على اختلاف مستوياته وأذواقه.
ومع العودة كذلك إلى الاستعانة بأعمال وروائع عمالقة الأدب المصري أمثال طه حسين ويوسف السباعي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس ويحيى حقي وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم..
وأغلب أعمال هؤلاء العظام لم تتحول بعد إلى أفلام أو مسلسلات أو مسرحيات، وأعتقد أن الكتاب المتميزين الذين ذكرتهم قادرين على تحويل روايات كبار الأدباء إلى أعمال فنية رائعة، كما يمكن الاستفادة أيضًا من إبداعات شباب الأدباء الجدد الذين يحتاجون إلى فرصة حقيقية بدلًا من التركيز على مجموعة وشلة بعينها من معدومي الموهبة وصاحبي ورش الكتابة!