رئيس التحرير
عصام كامل

صافيناز كاظم تشكو المدينة التي لم تعد مدينتها!

"المدينة لم تعد مدينتي
والزمان لم يعد زماني
والغربة مشوار أمشيه في تمتمة صمت متوتر
خذني على كفوف لطفك
حتى يأتيني اليقين"


هذا ما كتبته الكاتبة السكندرية الكبيرة صافيناز كاظم، في مؤلفها البديع تلابيب الكتابة الذي صدرعام 1994، تُعبّر من خلال كلماتها المؤثرة عن شعور عميق بالغربة والضياع، وهو شعور قد يراود أي شخص يواجه ظلمًا أو تجاهلًا لحقوقه.


وكأنها كانت تستشرف ما سيحدث معها عام 2024، وهي في السابعة والثمانين من عمرها! إذ يتردد صدى صرختها عبر مواقع التواصل الاجتماعي  منذ أيام وهي تناشد نقيب الصحفيين وزملاءها الحاليين التدخل في قضيتها العالقة مع جريدة الأهرام! 


صافيناز كاظم وهى في خريف عمرها تطالب -يا للجريمة!- بالحصول على مستحقاتها المتأخرة، وهي التي أفنت عمرها في خدمة المهنة والكتابة -بدمائها أحيانًا لا حبرها!- على صفحات الجريدة!


لا تطالب بتكريمها على مُجمل أعمالها ومشوارها الصحفي الثري واعتقالها مرات على خلفية دفاعها عن مبادئها، وعيشها حياة قاسية في سبيل أن تكتب ما تؤمن به، لا تتطلع إلى منصب قيادي صوري يُرتِّب لها مركزًا وبدلاتٍ تقيها شر العوز، لكنها تطالب بحقها الذي مُنِع عنها لأسباب مجهولة -أو معروفة!- فأي عبث هذا!


بل إن غياب أي استجابة لمناشداتها يثير تساؤلات عميقة بشأن مصير الصحفيين المخضرمين -عامة- في عالمنا العربي، إذ كيف يمكن لإنسان قدّم عمره للكتابة والنضال أن يُترك وحيدًا في مهب هذه الظروف؟! 

 

وبدلًا من التكريم والتقدير، تُواجه صافينازكاظم صمتًا مُطبقًا وتجاهلًا لمناشداتها، ممّا يثير تساؤلاتٍ عميقة حول قيمة العمل الصحفي، وحقوق من نذروا أنفسهم للكلمة الحرة.


كيف ينتهي المرء بأرباب الكتابة والبيان محاصرين هكذا دون أن تمتد إليهم يدٌ بالعون الذي يستحقونه فترفع عنهم ظلم ما وقع عليهم وتعيد إليهم هيبتهم وكرامتهم؟!  

 

لكن للأسف ليست صافينازكاظم حالة استثنائية، بل هي نموذج يُجسّد معاناة عديد من الصحفيين الذين يناضلون من أجل الحصول على حقوقهم بعد سنوات من العمل الدؤوب، ولا أحد يسمع لهم أو يعبأ بهم! فهل خذلتنا الصحافة بعد كل ما قدمناه في بلاطها؟! لعله كذلك!


والأسباب كثيرة، على رأسها ضعف تضامن الصحفيين، إذ -للأسف- غالبًا ما يفتقرون إلى التكاتف الفعّال في مثل هذه المواقف، فكلٌّ منهم منهمكٌ في همومه الخاصة، ولا يُبادر إلى مساندة زملائه في محنهم، ما دام الأمر لا يمسه مباشرة!


أضف إلى هذا غياب نقابة الصحفيين عن أداء دورها، إذ لا تنفك تهمل في حماية حقوق أعضائها والدفاع عن مصالحهم، في ظل عدم وجود آليات واضحة لضمان حصولهم على مستحقاتهم، مما يُعرّضهم للاستغلال والإجحاف.

 

 

إنّ معاناة صافينازكاظم تُمثّل جرحًا غائرًا في جسد الصحافة العربية، جرحًا متجددًا، لكن لعله جرس الإنذار الأخير لكي نبدأ توحيد جهودنا للعمل على إصلاح ما فَسد، ورتق ما تمزق لضمان حصول جميع الصحفيين على حقوقهم الآدمية التي يستحقون.

الجريدة الرسمية