فيلم الحرام صرخة في وجه الواقع المُرّ!
شاهدت ليلة أمس فيلم الحرام للراحل هنري بركات، الذي عُرض عام 1965، تحفة سينمائية خالدة، وهو مقتبس عن قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس، وتدور أحداثه عن عزيزة (فاتن حمامة)؛ امرأة فقيرة تعمل مع زوجها عبدالله (عبد الله غيث) في حقول الأرز، وتتعرض للاعتداء من أحد الأشخاص بالقرية، فتحمل وتضطر لإخفاء حملها خوفًا من الفضيحة.
الفيلم يجسّد مأساة إنسانية عميقة، ويلامس بجرأة الواقع المُعاش بكلّ تناقضاته وقساوته، ولا عجب أن يثقل صدرك ويمنعك من استكمال المشاهدة، فمشاهد الفقر والجوع والظلم التي يجسّدها بكل قسوة تُلامس واقعنا المعاصر بوضوح شديد، وتُثير مشاعر الغضب والحزن في آن واحد.
ويكمن سر عظمة فيلم الحرام في قدرته على تجسيد مأساة إنسانية حقيقية، تعكس بؤس الواقع المعاش وتفاوته. فحكاية عزيزة، وكم عزيزة في مصر! المرأة الفقيرة التي تُجبرها الظروف على ارتكاب فعل محرم لإنقاذ زوجها المريض وابنها، تُجسِّد صراعات ومآسي يعانيها كثيرون في مختلف أنحاء العالم.
ولا يقتصر الفيلم على معالجة موضوع الفقر فقط، بل يُلامس أيضًا قضية الابتزاز الجنسي؛ تلك الآفة التي تُهدد النساء في كل مكان. فعزيزة تُصبح ضحية لرغبات شيطانية من أحدهم، الذي يستغل فقرها وضعفها لممارسة أفعاله المشينة دون الاهتمام بأثر ذلك فيها وما سيجلبه لها من عار وضياع!
ويُجسّد بوضوحٍ تأثير العِوز والفاقة في تصرفات الإنسان، ويُظهر كيف تُدفع بعض الفئات المُضطهدة إلى ارتكاب أفعالٍ مُحرّمةٍ، فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، وكيف تُعاني النساء أكثر هذا الاستغلال في مختلف المجالات والمهن، هاتوا مهنة مفيهاش ابتزاز جنسي!
ولا تزال المرأة - رغم ما ندّعيه من تقدمّ- مقهورة في عديد من المجتمعات، خاصة في المناطق الريفية، تتعرض لكثير من الإهانة والاضطهاد بسبب جنسها، كما في حالة عزيزة التي تعرضت للاعتداء الجنسي ولم تجد من يُدافع عنها أو يتفهم ظروفها أو يسعى إلى تغييرها، بل نالها التجريح والنبذ من أهل قريتها بعد أن علموا بخطئها، بينما يتجاهل المجتمع دور الرجل في مثل هذه الحالات.
للأسف، ما زالت تلك القضايا ترسم حياة كثيرين في العالم العربي، ممّا يجعل من فيلم الحرام صرخةً مدويةً في وجه الواقع المُرّ، ودعوةً لمراجعة القيم والمبادئ -المزيفة- في مجتمعاتنا، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر ولا يعود بإمكاننا إيقاف تفسخ المجتمع وانحداره إلى الهاوية!