رئيس التحرير
عصام كامل

الحج.. وحي الفنون

كثيرًا ما يأخذني الحنين إلى تلك الأيام التي كنا فيها صغارًا لا تحمل قلوبنا إلا رقة الياسمين وصفاء السماء في ليلة مُقمرة، ودفء نهارات شتوية اكتسبتها من جمال القرب من الأهل والأصدقاء والجيران، عندما تأتي الأعياد تطل على قلبي من نافذة هذا الحنين ذكريات أيام ليتها تعود، عندما كنت وأخوي{ رحم الله أصغرنا الطبيب الطيب} وبعض أقربائي نتجول في شوارع قريتنا الصغيرة كي نحتفي بالعيد خاصة الأضحى.. 

فقد كانت هذه النزهة البسيطة قمة أحلامنا قبل العيد، ومصدر سعادتنا في يومه الأول وما تلاه من أيام، وخلال هذه الجولة كنت أرى رجلا يرسم بإتقان الكعبة المشرفة وطائرة أو باخرة أو جمل ثم يكتب بخط تُجمله الزخارف عبارة حج مبرور وذنب مغفور.


ولم أكن أفهم وقتها ما يحدث ولماذا يقوم هذا الرجل يرسم هذه الجدارية بألوانها الزاهية على واجهة  بعض بيوت قريتي الصغيرة الجميلة؟!


وكالعادة لجأت إلى صديقي ومرجعيتي والدي وإذا بإجابة لفتت نظري وقتها إلى علاقة متينة بين الجمال والفن الراقي وبين الدين، فقد كانت الإجابة أن كل هذا الجمال هو احتفاء بأحد رجالات قريتنا أو سيداتها الذين ذهبوا لأداء فريضة الحج، حتى إذا ما عادوا سُعدوا بهذا الجمال عندما يجدوه في استقبالهم.


نعم العلاقة وطيدة وراقية بين الإسلام والجمال والفن شرط أن يكون الجمال حقيقيا والفن راقيًا،
والقارئ لكتاب المفكر الدكتور محمد عمارة -يرحمه الله- الإسلام والفنون الجميلة يجد الكثير من الجمل والعبارات المُصححات لمفاهيم مغلوطة{يروج لها مدعي الثقافة ومحدودوها من غير الدارسين إلا لفنون الجدال الذي لا طائل منه}.. والمُبينات بدقة شديدة لطبيعة العلاقة بين الإسلام والفنون.. والمُنهيات لتلك الجعجة التي بلا طحن من أن الإسلام ضد الفنون.

 

ومن أهم ما جاء في هذا الكتاب أو خلاصته من وجهة نظري أن الإسلام اهتم بالفنون ودعمها وأن القصد منها هو المحدد الأول لمدي تعارضها أو اتفاقها مع صحيح الدين، واستند في هذه النقطة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى وأيضًا أن الحياة الخالية من الإبداع والجمال حياة جافة لا يقبلها الدين.

 
أما المستنير الفيلسوف الدكتورمحمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق صاحب الأداء الهادئ في أي نقاش وإن اختلفت فيه الآراء واحتدت فيه الأصوات وعلت.. يقول عن العلاقة بين الإسلام والفنون.. الإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه فى كل شىء. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله جميل يحب الجمال). 

 

والفن هو فى حقيقته إبداع جمالى لا يعاديه الإسلام. وغاية ما فى الأمر أن الإسلام يجعل الأولوية للمبدأ الأخلاقى على المبدأ الجمالى، بمعنى أنه يجعل الثانى مترتبًا على الأول ومرتبطًا به. وهذا هو الموقف المبدئى للإسلام إزاء جميع أشكال الفنون. وهنا كمعيار إسلامى للحكم على أى فن من الفنون يتمثل فى قاعدة تقول: حَسَنُه حسن وقبيحه قبيح.


وأنا أقول إذا سمح لي القارئ إن الأنبياء في معظمهم عرفوا الله بالتأمل في الجمال الذي أبدعه الخالق العظيم في الكون فالتأمل في جمال المخلوق دليل على عظمة الخالق وطريق ممهدة إليه .

 

والمدقق يالعين والقلب في الحج شعيرة ومناسك يجد أنه وحي لفنون كثر فنجد فنون الاستماع من غناء وموسيقى والألحان في التلبية والتكبير، أما فنون التشكيل فطواف الحجاج والمعتمرين حول الكعبة المشرفة في حد ذاته لوحة فنية تسعد بها العين ويُسر بها القلب، وهي مصدر إلهام لفنانين تشكيليين كُثر عبروا عن عظمة هذا المشهد في لوحات فنية رائعة.

 


على كل من يثرثر من أجل شهرة زائفة مؤقتة بأن الإسلام إتخذ موقفًا معاديًا من الجمال والفنون أن يقرأ الأيات الكريمات في القرآن الكريم التي تحثنا بل تأمرنا أحيانا على التأمل في الكون وجماله، وعظمة خالقه، أو أن يذهب ليحُج أو يعتمر ليرى الجمال والفن معًا.

الجريدة الرسمية