دستور الضرورة والدستور الدائم
المشهد هذه المرة يؤكد بشكل واضح على أن لدينا أزمة حقيقية فيما يتعلق بالدستور لأن نصوصه غير محكمة الصياغة، ففيما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء، حيث لا يوجد أي نص ملزم في الدستور يحدد موعد بعينه ينبغي فيه أن يرحل أو أن يأتي رئيس وزراء جديد، وربما تكون مشكلة الدستور الراهن أن نصوصه تصلح لدولة قطعت كل مراحل التطور في العملية الديمقراطية وتم تأهيل المجتمع ومؤسساته لثقافة الديمقراطية..
أى أن أسوأ عيوب الدستور الراهن فى مميزاته التى تحرق مراحل النشأة والتطور، فأنت لا تستطيع مثلا أن تطلب من رضيع رفع الأثقال، فما يحكم مصر الآن هو دستور الضرورة، أى فرضته الضرورة، فهو دستور فُوض قطاع معين بصياغته نتيجة ظرف مجتمعي، وتمت الموافقة عليه لعدم وجود خيار ورفاهية رفضه.
وأصل المشكلة أن واضعى الدستور صاغوه تحت ضغط وكرد فعل على تجربة الإخوان فذهبوا لتوزيع السلطات بين البرلمان والسلطة التنفيذية لأول مرة في التاريخ المصرى، علما بأن الوثيقة التى أعدتها لجنة الخبراء التى عينتها الدولة قلصت كثيرا من سلطات الرئيس، وكان الاتجاه للدولة البرلمانية، غير أن لجنة الخمسين انتهت لدستور يجمع بين النظامين البرلمانى والرئاسى..
بحيث لا يحق لأى برلمان سحب الثقة من رئيس منتخب إلا باقتراح من الأغلبية وموافقة ثلثى البرلمان، وبعد ذلك إجراء استفتاء وهو ما يشكل شبه مستحيل بحيث إذا تمت كل هذه الإجراءات فمن الأشرف لأى رئيس الاستقالة، وهناك أربع مناصب لا يعين فيهم مسؤول إلا بقبول رئيس الجمهورية، وهي: وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة العدل، وهناك 60 يوم لهذه العملية، 30 يوم لعرض الحكومة المكلفة من رئيس الجمهورية على البرلمان..
وإذا رفضت، يأخذ المرشح البرلماني المؤيد من البرلمان 30 يوما ويعرض على البرلمان وهذه نقطة في منتهى الخطورة، فإذا رفض البرلمان، يتم حله بينما تستمر الوزارة وتجرى انتخابات خلال 60 يوما وتلك سابقة دستورية عجيبة..
وهكذا فنحن بحاجة لبعض التعديلات المهمة للأوضاع الراهنة، ولكن المشكلة في التوقيت الخاطئ من الأشخاص الخطأ حتى لا يؤول البعض بأن إعادة كتابة الدستور الآن هى صياغته بسوء نيه..
وكانت هناك فرصة هائلة فيما يتعلق بالحوار الوطني لكن للأسف اضعناها لما وضعت بعض أحزاب المعارضة قيد بأن الحوار ينبغي ألا يمس الدستور. وكانت هناك فرصة أخري عند إجراء التعديلات الدستورية ولكن تم إضاعتها لان القائمين علي الأمر كانوا يستهدفون تعديلا محددا لإصلاح ما أفسدته لجنة الخمسين..
فمثلا في باب الادارة المحلية أكثر من 11 سنة لا نستطيع إقامة انتخابات لأن تطبيق النص الدستوري بالغ الصعوبة، فهناك عدد كبير من التشريعات المهمة، مثل قانون حرية إتاحة وتغير المعلومات بمعنى التحدث في إطار معلومات من خلال البحث اليدوي.
وهناك عدة نصوص لم تتحقق حتى الآن مثل مفوضية مكافحة التمييز، وكان المفترض وجودها خلال سنة من تاريخ إصدار الدستور ولم تحدث. وقانون العدالة الانتقالية كما يصعب تحقيق بعض بنوده الذي يقضي بزيادة الإنفاق الحكومى على التعليم والصحة والبحث العلمى والتعليم العالى بإجمالى 10% لهذا، ومواد أخرى.
نحتاج إلى دستور يكتب في حالة حوار مجتمعي متكامل يشارك به كل القوى المجتمعية ونناقش المبادئ الحاكمة للدستور وبعد ذلك تتم صياغته بنفس هادئ. فنحن نحتاج إلى مرحلة للنقاش الدستوري قبل الكتابة وتشارك بها كافة القوى الوطنية.