هدف عكسي في مرمى الإنسانية
في مدينة خيالية بعيدة بعد الأنف عن العين وقريبة قرب السماء من الأرض، هناك ملعب موحش، مضاء بشمس باهتة، وقمر كاذب، اجتمع فيه حشد من المتفرجين، لم يكونوا هناك لمشاهدة مباراة كرة قدم عادية، بل لمشاهدة مشهد مقزز، يجسد سقوط الإنسانية في أعمق مستنقعاتها.
في وسط الملعب، تحول رأس إنسان إلى كرة قدم. ليس رأسا عاديا، بل رأس شاعر ثائر، رفض الخنوع للأسياد الأغنياء محترفي السياسة، فكان جزاؤه أن يصبح لعبة في أيدي مستبدين متخفين بأقنعة ديمقراطية.
تقدم سياسي ببطن متدل، وابتسامة مزيفة، رافعا حذاءه المهترئ، ركل الرأس بقوة، ليس بهدف إدخاله في المرمى، بل لإذلاله، سحقه، إطفاء شمعة الفكر المتمردة. صرخ الجمهور المتواطئ، مهللين لسقوط رمز من رموز الحرية.
توالى السياسيون الأغبياء.. أقصد الأغنياء على ركل الرأس، كل بأسلوبه الخاص، فهناك من ركله بحقد، ومن ركله بخوف، ومن ركله بتملق، راجين نيل رضى سادة اللعبة.. لم يرق الرأس أبدا لهدف حقيقي، ولم يسجل عليه أي لاعب نقطة رياضية، لكنه سجل هزيمة مدوية للإنسانية، هزيمة لقيم الحرية والكرامة.
في نهاية اللعبة، بقي الرأس مرميا على أرض الملعب، ملطخا بالدماء والأحذية القذرة.. لكنه لم يمت، بل ظل ينبض بحياة خافتة، حياة تقاوم الموت، تقاوم الظلم، تقاوم كل من يحاولون تحويل الإنسان إلى لعبة في أيديهم.
في تلك اللحظة، أدرك بعض المتفرجين فظاعة ما شاهدوه، شعروا بالخجل والاشمئزاز من أنفسهم، من صمتهم، من تواطؤهم.. فغادروا الملعب منكسري الرؤوس، يحملون في قلوبهم جرحا لن يندمل.
أما الرأس، فقد ظل هناك، صامتا، شامخا، شاهدا على وحشية الإنسان، منتظرا فجرا جديدا، فجرا تشرق فيه شمس الحرية، وتزهر فيه زهرة الكرامة، فجرا يحاسب فيه كل من حولوا الإنسان إلى لعبة.