لغة العارفين بالله تعالى
لكل قوم لغة يتكلمون بها ويتفاهمون ويتعاملون بها فيما بينهم. وللعارفين بالله تعالى أهل ولاية الله ومحبته خاصة أهل الإيمان لغة خاصة بهم قاصرة عليهم وعلى أرباب الفهم الخاص. وهي لغة تخاطب القلوب قبل العقول، والعارفين بالله تعالى هم الذين منحهم سبحانه بما يسمى بالفهم الرباني، أي يفهمون بالله تعالى لا بأدوات العقول..
وهم الذين خصهم سبحانه وتعالى بالنظر والتجلي والذين أشرق الحق عز وجل على قلوبهم بأنوار المعارف والعلوم اللدنية، فمنحوا على أثرها علوم ومعارف وأسرار ومعاني ورقائق وحقائق من الله. وهذه اللغة خاصة بهم وبأرباب القلوب. أخفوا فيها المعاني في العبارات وساقوا الحكم في الإشارات وكل لبيب بالإشارة يفهم وما يذكر إلا أولوا الألباب..
هذا ولقد كان من عظيم حظي أن أبي الروحي وشيخي وقائد ركبي في سلوك طريق الله تعالى وهو سيدي العارف بالله تعالى حضرة مولانا الشيخ أحمد يوسف البيه واحدا منهم. وكم سمعت منه أقوال مست القلب والروح ذات معانٍ مترامية الأطراف. أذكر منها قوله "مت تحيا".
وسألته يومها عن المعنى؟ فقال: من أمات حب الدنيا من قلبه وأمات الأنا العالقة بنفسه والتي هي موطن الكبر والتعالى والغرور والأنانية وكل الأمراض المبطونة في النفس. وأمات حظوظ النفس وخالف هواها. يحيى الله تعالى قلبه. فمن أمات نفسه أحيا الله قلبه وأنار بصيرته.. وأذكر أني كنت يوما في مجلسه الكريم وسمعته يقول “عليكم بعبادة الله عز وجل بوصفه سبحانه وتعالى”
فسألته: كيف ذلك يا سيدي؟ فقال: الله تعالى من وصفه عز وجل التنزيه المطلق الخالي من العلل والعوز فهو القائم بذاته الغني عمن سواه. فأعبده العبادة الخالصة ابتغاء وجهه تعالى الكريم. عبادة لا تطلع فيها للأجر والثواب. ولقد أمر الحق عز وجل بذلك حيث قال جل جلاله "أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ" وقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين".
وقد جعل سبحانه وتعالى الإخلاص شرطا لقبول الأعمال وسببا لعطائه سبحانه غير المحدود حيث قال تبارك في علاه "وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى". وأذكر أيضا أنه قال: غب عنك تجده سبحانه وتعالى. فسألته رضي الله عنه ما معنى ذلك وكيف أغب عني؟.. انتظروا الإجابة في مقال تالٍ بمشيئة الله تعالى..