رئيس التحرير
عصام كامل

رؤساء تحرير!

شتان ما بين رئيس التحرير الأمس ورئيس التحرير اليوم.. في الماضي كنا نجد رؤساء التحرير يتسابقون مثلًا  لمعرفة أسماء الوزراء الجدد في حركة التغيير الوزاري الذي لا يعلم أحدٌ عنه شيئًا اليوم، اللهم إلا تكهنات وتوقعات لا ظل لها من الواقع وهو ما يفتح المجال لاجتهادات خاطئة بعضها يخوض في أمور تحدث بلبلة وتشويشًا للرأي العام، وما كان لذلك أن يحدث لو توفرت معلومات حقيقية أو جرى حسم التغيير الوزاري في وقت مناسب يقطع الشك باليقين!

 

غياب السبق الصحفي سواء في مسألة التغيير الوزاري المرتقب أو غيره من القضايا التي تهم الرأي العام يعكس تراجعًا واضحًا في الدور الرائد للصحافة، وغياب التمكن المهنى للصحفي النافذ لدى صناع القرار، المتفرد بالمعلومات، كما يؤشر لتراجع العلاقة الحميمية بين الصحافة وكبار المسئولين بالدولة، وعزوف هؤلاء المسئولين عن الصحافة أو عدم اكتراثهم بها أو تكتمهم على المعلومات!


غياب السبق الصحفي يقتل مبدأ المنافسة المهنية بين الصحفيين بعضهم البعض لإشباع نهم القارئ في المعرفة.. خلافًا لما كان بالأمس حين كان الصحفي مستشارًا للسياسي في أعلى المستويات.. ولعل العلاقة المتفردة بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل كانت نموذجًا في التكامل والتناغم بين الصحافة والسياسة.. 

 

فكان لدى الصحفي ما يقدمه للمسئول أو صاحب القرار، وكان الأخير يسعى لمعرفة رأي الصحفي وطلب مشورته ولا يبخل عليه بالأخبار.. كان الصحفيون في عصور مختلفة ظهيرًا للدولة  في القضايا  الكبرى دون أن يمنعهم  ذلك من تقديم الرؤية والنقد البناء الذي يصل لحد الاختلاف مع الحكومة..

 

أما اليوم فرؤساء التحرير لا تتسع صدورهم لاختلاف الرؤي.. أعرف رئيس تحرير سابق كان يتصور أن كل كلمة هي بمثابة  إسقاط سياسي على مسئول ما فيضطر أمام تلك الهواجس أن يرفع  المقالة ويمتنع عن نشرها، وكان يتحسس كل كلمة وتأخذه الظنون كل مأخذ.. 

متصورًا أن مثل ذلك التشدد يمكن أن يميزه عن أي رئيس تحرير آخر، وتسببت سياسته الفاشلة ورؤيته الضيقة في عزوف القراء عن جريدته تماما.. وكانت النتيجة النهائية فقدان المصداقية في الصحف القومية واستغناء القراء عنها تمامًا..

 

مؤسسات كبيرة توزع  بضعة آلاف وتحقق خسائر هائلة بسبب هؤلاء المتربصين بحرية الرأي والكلمة.. شتان بين رؤساء تحرير الأمس ورؤساء تحرير اليوم في الشكل والموضوع والمهنية والجدارة والاستحقاق والتأثير القوى في المسئولين وفي القراء معًا..

 

 

نتمنى أن تعود لصاحبة الجلالة هيبتها ومكانتها في قلوب القراء وفي عقول المسئولين الذين لا يقيم أكثرهم لها وزنًا.. صدقونى إن تراجع الصحافة خسارة للجميع، فالبديل هو السوشيال ميديا التي تنشر الفوضى والشائعات والاجتهادات الطائشة التي تخلق البلبلة وتكرس للإحباط والضبابية.. فاعتبروا يا أولى الأبصار!

الجريدة الرسمية