رئيس التحرير
عصام كامل

العندليب ودياب.. وثلاثة مشاهد!

الزمان: ربيع عام 1976
المكان: نادي الترسانة بميت عقبة
الحفل السنوي لأكبر وأهم مطرب عربي.. جلبة وضجيج بصالة الحفل، يختلط فيه الدعم والحب للعندليب بالفوضى.. حتى الفوضى لن يدركها أحد إلا بعد انفعال عبد الحليم حافظ وتوقفه عن الغناء في مشهد شهير سجلته الكاميرا، وتحتفظ به سجلات الإنترنت إلي اليوم، يقول فيه ردا علي بعض الحضور: "علي فكرة أنا ممكن أصفر زيكم" ثم صفارة بالفعل من فمه مستخدما أصابعه، كتلك التي تتم من مشجعي مرة القدم!


اعتبرت الصحافة والصحفيين ذلك خروجا على القيم! ولم يقدروا التاريخ المجيد الطويل للعندليب في حب البلاد ودعمها في كل مناسبة منذ ثورة يوليو لما بعد حرب أكتوبر.. وهاجموه بعنف.. حتي منحه التليفزيون المصري فرصة الدفاع عن نفسه مع الإعلامي طارق حبيب، ليفجر مفاجأة بوجود مؤامرة ضده لإفشال الحفل، وأن المتآمرين كانوا علي الأكثر من عشرين إلي خمسة وعشرين شخصا، وأنه يستحيل أن يقصد الجميع بما فعل!

المشهد الثاني

عشر سنوات تقريبا علي المشهد الأول.. بدأ مطرب شاب اسمه عمرو دياب في تحقيق شهرة معقولة.. ثم فيلم مع الأطفال.. أدت إلي سعي بعض صحفيي الفن خلفه، للحصول علي حوارات صحفية.. وفيها يتناول العندليب الذي لقي ربه بعد واقعة الترسانة بأشهر فيقول عنه:


“أنه لم يكن لديه رسالة وأن المال وحده السبب الرئيسي لغنائه، وسخر من أغاني عبد الحليم ووصف بعضها بأوصاف صعبة جدا،  خاصة أغنيتي “قولي حاجة أي حاجة.. قول بحبك قول كرهتك” و" نار يا حبيبي"! 

 

وبلغ الهجوم صحف عربية إحداها تصدر من بيروت! وقال إنه قدم أغانيه الثورية عقب ثورة يوليو وأن هناك مطربين كثيرين غنوا قبله وبعده عن نفس الحدث ولم ينتبه أحد لهم!" 

 

وأضاف: "لست مجنونًا لأغني لحائط مثلما غنى حليم للسد العالي.. هو فيه حد فى الدنيا يغنى لسد! ثم هاجم ثورة يوليو ذاتها"!
 

فعل كذلك عن أم كلثوم.. ولكن ربما يكون لذلك حديث آخر.. لكن التصريحات قلبت الدنيا ولم تقعدها.. وهاجمته الصحافة بقسوة يستحقها.. حتي كادت أن تقضي عليه، لولا تدخل شخصية تمتلك من الحكمة والخبرة الكثير.. كان وجدي الحكيم الناصح الأمين الذي لامه علي ما فعل، ونصحه بمؤتمر صحفي يعتذر فيه- وقد كان-  للعندليب ولحقبته ولثورة يوليو التي قال إنه يعتبر نفسه أحد أبنائها!

المشهد الثالث:

انتقلنا من الرد علي الجمهور في الحفلات إلي صفع المعجبين! وليست هذه هي الكارثة.. أو ليست هذه هي الكارثة وحدها.. إنما أن نجد من يبرر ذلك بحجج سخيفة تدعم الفكرة وهي إهانة الإنسان واستباحة كرامته لمجرد سوء تقديره أو حتي سوء أدبه!

الخلاصة: 

حتي منتصف السبعينيات ولم تكن قيم الانفتاح قد اخترقت المجتمع المصري كان مجرد الرد علي الجمهور عيب.. وغير مسموح به ولا التهاون معه حتي لو كانت هناك مؤامرة ومجموعة مشاغبة وحتي لو كان الرد من العندليب، وهو من هو وبكلمات ربما نراها هزارا في هزار أو اشتباكا طبيعيا وعاديا جدا! لكن لم يزد عن ذلك فلا صفع ولا أمن استدعى ولا طرد مواطن واحد!

 


اليوم.. ولا يكفي ذلك.. من لا يرى من الغربال أعمي.. وها هي تراكمات عصر ما بعد العندليب تظهر اليوم، وهو ما نحتاج إلي جهد كبير لتجاوزه وهزيمته والعودة إلي الرقي في كل شيء.. من المطرب إلي الجمهور وما بينهما كثير.. كلمات وألحان وفن وقوى ناعمة هي رصيدنا الأساسي.. إلخ.. إلخ
ملحوظة: ما سبق ليس مقارنة بين العندليب وغيره.. حاشا لله!

الجريدة الرسمية