رئيس التحرير
عصام كامل

هل رأى الحب سكارى.. بيننا!

انطلقت تدعم وطنها بكل ما تملك.. ولا تملك أغلى من صوتها ونفوذها الجماهيري الطاغي.. لتقدمه لبلدها ولقواته المسلحة.. فكانت حفلة دمنهور التي جمعت أربعة أضعاف عائد حفلاتها، وفي الإسكندرية زاد العائد وبلغ 100 ألف جنيه، ومعه ما يزيد يقترب من 50 كيلو من المصوغات الذهبية، قدمتها سيدات الاسكندرية لبلدهن، وهناك في المنصورة ارتفع العائد إلي 125 ألفا، وفي طنطا وباشراف محافظ الغربية وربما كان وجيه أباظة إلي 284 ألفا!


لم ترض كوكب الشرق أم كلثوم بما قدمت ولم يشبع رغبتها في مساندة جيشها، فانطلقت إلي خارج البلاد.. علي نفقتها الخاصة مدعومة بفريق من الموسيقيين يقدرون مسئوليتهم الوطنية والأخلاقية خاصة أن جيشهم يعيد بناء ذاته وبسرعة لم تعرفها جيوش العالم تدريبا وتسليحا وثأرا علي الأرض بحرب استنزاف مجيدة جعلت صراخ العدو يسمع في جنبات الكوكب!


هناك.. في باريس لم يصدق مدير أكبر مسارحها  قيمة الرقم الذي طلبته أكبر مطربة عربية لكنه صدقه عندما علم بنفاد التذاكر وقبل وقت طويل من الحفل، وبعد استراحة أول "وصلة" عادت لتشدو من كلمات الرقيق المعذب إبراهيم ناجي، وألحان سيد الألحان الشرقية رياض السنباطي "الأطلال" وإذ بأحد معجبيها ومحبي فنها ينطلق نحو خشبة المسرح محاولا تقبيل قدميها..

 

أم كلثوم تدربت علي مثل هذه المواقف وتعي معني ارتباط إنسان بفنان، فلم تفعل إلا محاولة سحب قدمها ومع  ثبات القدمين وحركة النصف العلوي أو حركة القدمين معا في وقت واحد اختل التوازن تلقائيا.. فهوت صاحبة الحنجرة الذهبية وأنقذها أعضاء فرقتها من مصير صعب، وأبعدوا مجنونها عنها، ليأتي أمن المكان يبعدونه خارج المسرح! 

عبر الممر الطويل ومعجبيها  إلي الخارج تماسكت وشدت "هل رأي الحب سكارى.. بيننا" رغم أن أصل نص القصيدة هو "هل رأى الحب سكارى.. مثلنا" لكنها حرفتها، وأشارت إلي مفتونها.. فانفجر المسرح الكبير بالضحك.. وتحولت المأساة إلي مرح.. ومر الموقف!

 


سيدة الغناء العربي وسيدة الفن العربي كله كانت وهي التي ولدت طبقا للأوراق الرسمية في 1898 في الـ 69 من عمرها! وهي سيدة خرجت من بلادها سعيا لدعم قواتها المسلحة.. وما قدمته بالداخل يكفي..وهو يعادل كل ما قدمه فنانو اليوم لبلدهم ربما في النصف قرن الأخير كله! ومع ذلك لم تتأفف.. ولم تسب وهي التي غلب لسانها لسان أحمد فؤاد نجم.. لكنها حولت الكارثة إلي مزحة والمأساة إلي كوميديا وظلت شامخة ليس إلي نهاية الحفل.. بل إلي اليوم وستظل!
بس خلاص!

الجريدة الرسمية