رئيس التحرير
عصام كامل

كلمة الحياة

ثمر حقيقي

في إنجيل معلمنا متى البشير وبالتحديد في الإصحاح السابع، تكلم المسيح عن الثمر الكاذب الذي يحمله البعض، والذين يأتون متخفيين في صورة حملان، ويكون ثمرهم عكس طبيعتهم الشريرة، ولكن أعطانا علامة لكي نعرفهم إذ قال عنهم: "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟"، أي أن ثمارهم لا يمكن أن تكون جيدة وحسنة، بل يجب أن تكون ثمرهم مرضية أمام الرب حتى يكونوا صالحين.

 

وكذلك المؤمنون يجب أن تكون ثمارهم مرضية وتحسن أمام أعين الرب، وليس كل ثمر يكون حسن، بل الثمر الجيد والذي ينمو حسب مشيئة الرب وحسب قلبه يكون قادرًا على النمو وأن يكثر حتى في أهلك الظروف وأضيقها، وحتى يقدر المؤمن على أن يكون ثمرة جيدة فيجب في البداية أن يعيش حسب قلب الرب حتى تكون ثمرة قلبه مرضية، ولكن لماذا حدد المسيح بالتحديد الثمر؟! وهنا يجب أن نعود في البداية إلى سفر التكوين.

سفر التكوين 

في الإصحاح الأول نجد سفر التكوين يتكلم عن بداية الخليقة إذ أنه في البدء، خلق الله السماوات والأرض وأمر الأرض أن تُنبت العشب والبقل والشجر ذا الثمر، كما جاء في سفر التكوين: "وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. (تك 1: 11).

 

وهذا الأمر الإلهي يُظهر لنا أن الثمر هو دليل الحياة، فالشجرة التي تُثمر تُظهر قوة الحياة التي فيها، وبالمثل، الإيمان الحقيقي يُثمر أعمالًا صالحة، فالإيمان بدون أعمال هو إيمان ميت، كما قال الرسول يعقوب: "هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ" (يع 2: 17).

ثمرًا كجنسه

والثمر ليس فقط دليل الحياة، بل هو أيضًا دليل الجنس والنوع، فالشجرة تُثمر ثمرًا كجنسها ونوعها، وهذا يُعلمنا أن الثمر الروحي يجب أن يكون مطابقًا للزرع الإلهي فينا، وهكذا كان وصف البعض بأن ثمرهم لن يكون مرضيًا لأن قلوبهم في الأساس ليست مرضية أمام الرب.

 

والمؤمن الحقيقي يُظهر في حياته ثمارًا تُشبه ثمار الروح القدس، وهي محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف، كما قال السيد المسيح: "لأَن من الثَّمر تُعرَفُ الشجرةُ" (مت 12: 33)، فالمؤمن الحقيقي تظهر فيه زرعة الإيمان وزرعة الله بداخله حينما يكون الله ساكنًا في قلبه ويكون ملكًا على قلبه وحياته.

دليل النضج

كما أن الثمر هو دليل النضوج، فالأرض تُخرج أولًا العشب الأخضر، ثم البقول والبذار، وأخيرًا الشجر المُثمر، وهكذا هي أيضاٍ الحياة الروحية، فالمؤمن ينمو ويتعمق في الإيمان حتى يُثمر ثمارًا كثيرة ومتزايدة.. 

كما قال النبي إشعياء: "يتأَصَّلُونَ إِلى أَسفلَ، ويَصنَعُونَ ثمرًا إِلى ما فَوقُ" (إش 37: 31)، بمعنى أن الحياة الروحية والعشرة الحقيقية ليست وليدة لحظة واحدة، لكنها رحلة يسير فيها الإنسان مع الله حتى يزرع في قلبه الإيمان ويجنى من قلبه ثمر إيمانه وتظهر فضائل الإيمان في حياته.

 

والرب يستخدم معنا أساليب التنقية والتأديب ليُعمِّق حياتنا ويُثمر فينا ثمارًا أكثر، مثلما نذكر يوميًا في صلاة الساعة الثالثة كما قال السيد المسيح في بشارة معلمنا يوحنا: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَر"، بمعنى أنه أحيانًا كزارع ناجح ومميز يعرف كيف يقلم أوراق حياتنا الروحية لتنمو ثمارنا بالشكل الأفضل والأجمل ونكون مثمرين في حياتنا معه.

 

 

فهل فكرت معي يا عزيزي، هل أنت عُشب بدون ثمر أم بقل يُثمر قليلًا أم شجر ذو ثمر كثير؟ هذا السؤال عندما نجيب عليه في لحظة صدق، بالتأكيد ستبدأ حياتنا في التحويل، وبعدها سنحاول أن نعيش كما يحق لبذرة الإيمان والزرعة الإلهية بداخلنا، حتى نكون ثمارًا مثمرة ونكون كالشجرة المغروسة في حقول الإيمان.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية