كلمة الحياة
إناء غالي الثمن
من القصص الملهمة التي قرأتها ذات يوم، أنه يحكى أن عروسان مغرمان بفن الفخار كلما ذهبوا لمكان يحتوي على أواني فخارية تسارعوا لشراءها، حتى عند سفرهم لإحدى البلاد ليتنزهوا فيها، عندما وجدت الفتاة قطعة فخارية جميلة الشكل وقفت أمامها منبهرة ومندهشة من دقة صنعها، حتى إنها صارت تصرخ إلى زوجها حتى يأتي وينظر تلك القطعة الفريدة.
وبالفعل عندما رآها زوجها أعجب بها جدًا مثل زوجته، ولكن حينها دار حوار بين قطعة الفخار والفتاة، إذ قال لها، لا تتعجبي ولا تظني أن هذا هو جمالي الشخصي، ولكنه دقة الفخاري الذي شكلني، فأنا في الأساس مجرد تراب! ولو كنت ظللت في حلتي الأولى ولمستيني، كانت يداكِ ستتسخ وستسارعين حتى تغتسليهم من آثاري عليهم.
لكن هل تعلمين؟ هو لم يشمئز عندما لمسني في حلتي الأولى، بل أخذني وبدأ يخلطني بالماء حتى صرت كالطين بين يداه، ووقتها حتى عندما كنت أصرخ من تعب الخلط والمزج كان يطمئني أني مازلت بخير، وبعدها عندما أخدني ليشكلني على طاولته، وكنت أتعب من لف القرص وأشعر بأن الكون يدور بسرعة من حولي، كان يطمئني أني في أمان.
وبعدها عندما أخذني إلى الفرن حتى أتصلب وأصير جامدًا، وكانت الحرارة تأكل فيًّ، وكنت أتوجع من شدة اللهب كان يبتسم ويخبرني أنه يعمل لصالحي وعليَّ أن أطمئن وألا اخاف فهو يحبني، وبعدها عندما أخذني ليلون فيَّ، كنت أختنق من رائحة الألوان وكنت أشعر بالإشمئزاز وصرت أبكي عندما أخذني بعدها إلى الفرن مرة آخرى حتى تثبت الألوان ولكن كان يظل هو مبتسمًا، حتى انتهى من عمله وأخذني أمام المرآة فصرت أنظر لنفسي في حالة تعجب، كيف استطاع أن يخلق مني وأنا مجرد تراب تستطيع أن تجعله الرياح يطير بعيدًا في تلك الحلة!
كم من مرة ندخل في طريق الآلم ونظن أننا نسير في دروبه بمفردنا؟ كم مرة ننسى أن المسيح -له كل المجد- تألم أيضًا من أجلنا، وتألم أيضًا مثلنا؟ الحقيقة يا عزيزي، أن كاتب المزمور عندما قال: "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي"، لم يكن يقولها من فراغ، ولكن من واقع تجربة شخصية وحقيقية مع الله.
وفي اللحظة التي نسلم فيها لله حياتنا ونقبل فيه صليب التجربة، فأننا نؤهل للفوز معه، وعندما نقبل أن تشكل يداه الطيبتان والقديرة والجديرة بالثقة فأننا حينها نخضع للعناية الإلهية أن تصنع مننا صورة مدهشة لولا التجربة ما استطعنا أن نصل إليها مطلقًا، وحينها نكون كقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية الإصحاح السابع عشر عندما قال في العدد الثامن: "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه"، فهل تقبل أن تتألم لتتمجد؟ أم تفضل الهروب لتظل ترابًا بلا قيمة؟!
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih