فيزيتا الدكتور ودعم الغلابة!
منذ أيام ذهبت لطبيب كبير لإجراء كشف روتينى ثم فوجئت به يرفع ثمن الفيزيتا بأكثر من 30% من سعرها المعتاد عنده، فسألته متعجبًا: لمَ كل هذه الزيادة دفعة واحدة يا دكتور؟! فأجابني ممتعضًا تظهر على وجهه علامات الأسى والحزن: الكل رفع الأسعار! فسألته: هل لا يزال إقبال المرضى كما هو بعد تلك الزيادة.. فقال: بالطبع لا.. هناك من تراجع وقام بإلغاء الحجز في العيادة!
بعدها بساعات فوجئت بالحكومة ترفع سعر رغيف الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشًا!
والسؤال: ما تأثير هذه الخطوة على الفقراء الذين يمثل لهم الرغيف المدعم مكونًا أساسيًا في طعامهم اليومى.. لاسيما بعد تحريك سعر الكهرباء والغاز والمواصلات والذي يدفع بدوره لزيادة أسعار سلع أخرى يحذو التجار فيها حذو الحكومة أو يتذرعون بسعر الدولار..
وهو ما دفع البعض للتساؤل على السوشيال ميديا: هل زيادة سعر رغيف الغلابة مجرد بداية لكى تتخفف الحكومة شيئًا فشيئًا من ملف الدعم.. وهل تتعامل الحكومة نفسها مع الغنى القادر كما تتعامل مع الفقير؟ وكم ستوفر الدولة من خبز الغلابة بعد تحريك سعره؟ ألم يكن هناك طريقة أخرى لتدبير تلك المليارات؟
وماذا عن إجراءات التقشف الحكومى والاستغناء عن طابور المستشارين في كل الوزارات أو تخفيف مظاهر البهرجة في مواكب سيارات الوزراء؟ ولماذا لا تقدم الحكومة على فرض ضريبة تصاعدية على الأغنياء كما تفعل أعتى الدول الرأسمالية تحقيقًا للعدالة الاجتماعية في الاقتصاد الحر؟!
ملف الدعم
وإذا كانت تلك الحكومة قد استنفدت الحيل ولم تعد تجد حلولًا إبداعية تعزز الاستقرار الاجتماعي وتحقق الاستدامة فماذا ستفعل إذا لم تف تلك المليارات بالغرض؟ هل ستلجأ لمزيد من الإجراءات اعتمادًا على جيوب المواطنين أم تلجأ للاقتراض؟ أليس هناك طريق ثالث؟!
أعلم أن الدعم ملف شائك وميراث قديم يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة منذ عقود.. لكن التدرج في الإصلاح أفضل حتى لا يشعر المواطن أن الحكومة تتعامل معه معاملة التاجر مع الزبون.. فالدولة لها وظيفة يمليها عليها العقد الاجتماعي ونصوص الدستور بأن ترعى المواطن وتوفر لها احتياجاته وتعمل على تمكينه منها..
فماذا فعلت الحكومة لزيادة الإنتاج والتصدير وحل مشكلة الاستيراد وتدبير العملة الصعبة ذلك الصداع المزمن الذي تسبب في موجات تضخم قاسية دون حلول جذرية.. وماذا حققت الحكومة في ملف الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة والدواء؟!
70 مليون مواطن يستفيدون بالخبز المدعم.. فهل حسبت الحكومة حساباتها قبل تحرير سعر هذا الرغيف.. أليس الفقراء هم أكثر من يتأثرون بهذا القرار، وهم أخطر فئة في أي مجتمع، وهم بحسب الدراسات العلمية الأكثر استعدادًا للقبول بالشائعات وتصديقها والوقوع في شراك حروب الجيل الرابع والخامس.. فكيف تأمن الدولة- أي دولة- للبطون الجائعة؟!
نتمنى أن تكف الحكومة عن الحلول السهلة وألا تكتفى بالبحث في جيوب المواطنين.. وأن تبتكر حلولا تخفف الأعباء عنهم حتى يرتفع منسوب الرضا الشعبي الذي هو أهم ما يجب أن تحرص عليه الحكومة- أي حكومة- لترسيخ الاستقرار الاجتماعي.