ملكة الكلام.. وعيون عبد الناصر
{أنا ابنة البرنامج العام أتقاضى راتبي من الدولة ولا أقبل أن يقترن اسمي بإعلانات السمن والسكر ومساحيق الغسيل}.. هي كلمات صاحبة على الناصية.. مخترعة الفوازير.. التي ناصفت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر شعبيته.. ملكة الكلام.. الإذاعية الرائعة الراحلة آمال فهمي.
في السابعة تماما من مساء كل أربعاء كنت تجدها تفتح باب ستديو 36 بالدور الرابع في الاذاعة المصرية العريقة، لتبدأ عملها رغم أنها قد تكون موجودة في ماسبيرو قبل ذلك الموعد بكثير، وطالما رأيتها في كافيتريا العاشر، هكذا كنا نسمى هذا المكان الرائع المطل على النيل في الدور العاشر بماسبيرو..
كنا نتناول فيه أجمل الأطعمة وألذها وأشهاها بأسعار تتناسب ودخولنا ولكنه للأسف أصبح حاله من حال ماسبيرو مكانا فقد روحه وبريقه.. كنت أرى ملكة الكلام آمال فهمي هناك تتناول طعامها في هدوء رغم ضجيج المكان.
ملكة الكلام آمال فهمي
أقتربت منها مرتين.. الأولى عندما كنت وزملائي مذيعين جددًا نتحسس طريقنا ونثري تجربتنا الوليدة بخبرات الأساتذة في دورات تدريبية تقدمها لنا الإذاعة.. وفي إحداها جاءتنا آمال فهمي..
رفعت يدي طالبة السؤال فسمحت لي فقلت لها عندما أسمع على الناصية أجد هدوءًا وكأنه مسجل داخل ستديو وهو المفترض أنه مسجل في الشارع.
انفعلت آمال فهمي بشدة وأخذت تدافع عن البرنامج دفاع الأم عن إبنها وفوجئت بها تقسم أنها تسجله تحت تلك الشجرة العتيقة اوشجرة البانيان الضخمة الموجودة في الطريق المؤدية إلى برج القاهرة ودعتني للذهاب معها في المرة القادمة وليتني فعلت كي أتعلم من هذه الملكة.
المرة الثانية التي التقيت فيها ملكة الكلام آمال فهمي عندما كنت أعد حلقة خاصة من أحد برامجي عن الرائع الراحل المخرج الإذاعي محمد علوان.. طيلة الحوار وهي تتحدث عنه بكلمات ملؤها الإيمان بموهبته والاحترام لشخصه والامتنان تلك السنوات التى قضياها معا زوجين قبل أن ينفصلا.
وسألتها كُنتِ مديرة لإذاعة الشرق الأوسط عندما كان الأستاذ محمد علوان مخرجًا بها كيف كانت العلاقة بينكما وهل أثر ذلك عليكما كزوجين؟
ردت ملكة الكلام الرد الذي أدهشني.. قالت: في أول يوم نخرج فيه من ماسبيرو بعد تقلدي المنصب قال لي اسمعي يا آمال أنتِ آمال فهمي مديرة الشرق الأوسط حتى الأربع سلالم دول.. يقصد السلالم المؤدية إلى الشارع بعدها أنتِ آمال فهمي الزوجة.
إنتهى الحوار الذي تعلمت منه الكثير وأغلقت جهاز التسجيل، وربما لأنني أريد أن أطيل وقت جلوسي معها سألتها عن الشخص الذي كنتِ تتمنين التسجيل معه ولم يحدث.. قالت بسرعة وكأن الموقف دائم الحضور في ذاكرتها.. الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. كيف؟
آمال فهمى وعبد الناصر
قالت: كثيرًا ما كنت أحلم بلقاء الزعيم عبد الناصر وطلبت ذلك وفي افتتاح أحد المشروعات العملاقة وهو مصنع سيماف لصناعة عربات السكك الحديدية طلبت التسجيل مع الرئيس عبد الناصر، قيل لي ستقفين هنا ويمر عليك الرئيس الذي كان على علم بالتأكيد وإبدئي لقائك معه.
أعددت اسئلتي ووقفت وكلما اقترب عبد الناصر أسمع دقات قلبى وصوتها أعلى من صوت ماكينات المصنع.. ووجدتني أمامه هيبته وقوة شخصيته وشموخ طلته.. وبمجرد أن رفعتُ رأسي ونظرت في عينيه الثاقبتين..
عجز لساني عن الكلام ووقفت أمامه كالصنم وملامحه تقول لي هيا إبدئي، ولكنني لم أستطع النطق ولو بحرف واحد وشعرت وكأنني أصابني الخرس.. فقال: كل سنة وأنت طيبة يا آمال.. ومشى.. وقفت مكاني مذهولة مما حدث معي كيف أعجز عن الكلام هكذا؟! ولم أندم في حياتي على شئ كما ندمت على هذا اللقاء الذي لم يتم.
ولمن لا يعرف فقد ناصفت آمال فهمي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر شعبيته في استفتاء أجرته مجلة المصور على شخصية العام، حيث خرجت النتيحة مناصفة بينهما وظلت آمال فهمي تفتخر بذلك طيلة حياتها.
عاشت ملكة الكلام آمال فهمي حياتها وعلى رأسها تاج التفرد صنعته من جرأتها وثقافتها وقدرتها على إدارة الحوار ببراعة، رغم كل التحديات التي واجهتها والمعارك التي خاضتها دفاعا عن تاريخها وإسمها اللذين لم يصنعهما الفراغ.
سيدتي ملكة الكلام:
إلى روحك كل التحية والتقدير والحب في عيد بيتك الأول البرنامج العام صوت مصر.. أصل الراديو.. وعيد الإذاعة المصرية العريقة.. ويكفيني فخرًا أن شبهني بك المحاور الراحل الأستاذ مفيد فوزي.