هيا بنا نلعب.. في الثوابت
رأيت فيما يرى الفاهم خير اللهم إجعله خيرا.. أنني أدخل قاعة فخمة بها أناس أعرف بعضهم وجها.. وبعضهم قابلتهم مرة واحدة.. والكثير منهم لا أعرفهم، ظللت تائهة صامتة لقليل من الوقت حتى قررت الذهاب إلى أحدهم، والذي كنت أحرص على قراءة الجريدة التى كان رئيسا لتحريرها، سلمت عليه وأبديت إعجابي بمانشيت الجريدة قبيل انتخابات 2010 الذي حمل عنوان (من أكلك أنت) في محاكاة ساخرة لشعار الحزب الحاكم آنذاك (من أجلك أنت).
ابتسم الرجل وبسرعة سألته هل لك أن تقول لي أين سدرة المنتهى على الأرض؟! عبس وجهه وتركني ومشى، عدت مرة أخرى لصمتي وتيهي في تلك القاعة الفخمة إلى أن رأيت وجها أخر أعرفه، فقد كنت أراه يجلس في استراحة ستديوهات الدور الرابع في ماسبيرو، انتظارا للتسجيل مع إحدى الزميلات إلى أن قرر رئيس شبكة البرنامج العام وقتها الإذاعي المحترم ذو التاريخ الطويل منع صوته من الظهور عبر أثيرها، وإذا به يكتب مقالا طويلا عريضا بعنوان (عزبة فلان الفلاني) اعتراضا على قرار المنع الذي كان يستحقه.
تجولت في الوجوه مرة أخرى ورأيت أحدهم الذي ذهبت إليه خصيصا في الإسكندرية لتسجيل سهرة أنا وأحد زملائي وليتنا لم نفعل جدل وجدال وجعجعة بلا طحن طوال الحوار، شعرت بتعب الوقوف فجلست على أحد المقاعد.. لفت نظري سيدة أنيقة رأيتها تصافح أحدهم ولكن بالأحضان.. بالأحضان.. بالأحضاااان، واذا بي ودون سابق معرفة اسألها زوجك هذا أو أخوك؟ تركتني هى الأخرى وقبل أن تذهب رمقتني بنظرة مفادها (فلاحة) وشرف لي أن أكون.
عدت إلى ذلك الصحفي الذي بسذاجتي كنت أحترم قلمه، ولم أكن أعرف أنه مزيف، حاولت الاستفسار منه عما يدور حولي، وسألته ماذا تفعلون هنا؟ فقال نجدد، قلت له هو حضرتك مرور إيه؟ فقال لا لا إنت لم تفهمي قصدي.. فقلت له إذا ماذا تجددون؟ هل تجددون باقة الانترنت الأرضي الخاصة بكم أم فلكساتكم الشهرية أم أثاث منازلكم؟
رد متسائلا ما هذا الهراء الذي تقولين؟! نجدد يعني تطوير خطاب التسامح وفتح آفاق الحوار وطرح الأسئلة حول المسلمات وثغرات المشروع النهضوي والوصول إلى صيغة جديدة للنظر والتعامل مع الموروث الديني..
أصابني الدوار من من كلماته الفظيعة التي شعرت وهو يقولها أنها (طقم كده بيتقال على بعضه) كثيرا ما سمعته من هؤلاء الناس، سألته لماذا لا أراكم تجددون في الاقتصاد بابتكار نظريات وحلول تساعد الدولة في خفض معدل التضخم، وتقليل حجم الدين الخارجي، ورفع مستوى معيشة المواطن المكتوي بنار الغلاء؟!
ولماذا لا تجددون في التعليم الذي أصبح مجرد دراسة وليس تعليما، وتقدمون حلولا لأزماته وترحمون أبناءنا وبناتنا من تكدس الفصول، وعقم المناهج وترفعون عن كاهل أولياء الأمور عبء الدروس الخصوصية وتعيدون للمعلم هيبته؟!
لماذا لا تجددون في مجال الصحة، خاصة وأن بينكم طبيبا باقتراح حلول تخففون بها آلام البسطاء المكدسين في المستشفيات الحكومية في انتظار دورهم في العلاج، والذي قد يأتي بعد أن يكونوا فارقوا الحياة؟! ولماذا... ولماذا.. ولماذا.. أم إنكم تخصص مسلمات وثوابت الدين؟!
إنفعل الرجل بشدة وسألني من أنت وما الذي جاء بك إلى هنا؟
وقبل أن أجيبه استيقظت على صوت أذان الفجر صليت ودعوت الله أن يحمى مصر وشعبها من هؤلاء.