حديث قلب
في حفل عمار الشريعي.. عربية يا أرض فلسطين
كنت أسأل نفسي دائما كلما استمعت إلي لحن من ألحانه الشجية، أو إلي كلام من احاديثه الثرية بالمعلومات والأرقام الموثقة، ما هو سر عبقرية الفنان العظيم الراحل عمار الشريعي، والتي تسكن جوارحه رغم كونه كفيفا؟ كيف تحدي اعاقته البصرية ولم تمنعه من ممارسة هوايته المفضلة التي عشقها منذ نعومة أظافره؟
ووجدت كل الاجابات عن تساؤلاتي الحائرة.. لقد تلقي علوم الموسيقي الشرقية الأصيلة علي يد مجموعة متخصصة في مراحل تعليمه الأولي في إطار مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصا للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقي، كما تمكن بمجهوده الشخصي من إتقان العزف علي العديد من الالات الموسيقية منها البيانو والأكورديون والعود والأورج، ودرس أيضا التأليف الموسيقي عن طريق مدرسة (هادلي).
علي حد علمي بلغ رصيد ألحان الموسيقار عمار الشريعي حوالي 150 لحنا لمعظم مطربي ومطربات مصر والعالم العربي، وأتذكر أن أول لحن سمعته كان لأغنية إمسكوا الخشب للفنانة مها صبري منذ حوالي 50 عاما..!
ولآنه كان قوي العزيمة قام عام 1980 بتكوين فرقة الأصدقاء التي حاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة، وخلق غناء جماعي يتصدي لمشاكل المجتمع، كما لمع إسمه في وضع الموسيقي التصويرية للعديد من الافلام والمسلسلات التليفزيونية والاذاعية والمسرحية، والتي نال عليها جوائز قيمة..
من منا لا يتذكر موسيقاه التصويرية في أفلام الشك ياحبيبي، البريء، حب في الزنزانة، ارجوك اعطني هذا الدواء، أيام في الحلال، كتيبة الإعدام، يوم الكرامة، كذلك أعماله الموسيقية المسرحية ومنها الواد سيد الشغال، الحب في التخشيبة، إنها حقا عائلة محترمة.. وأعماله الرائعة للتليفزيون منها.. الأيام، بابا عبده، أرابيسك، الشهد والدموع، وريا وسكينة!
وكنت أترقب وأتابع برنامجه الاذاعي الناجح غواص في بحر النغم كل اسبوع في إذاعة الأغاني العاشرة مساءا، وأستفيد من تحليله وتذوقه للموسيقي الشرقية، ورأيه في المطربين القدامي والحاليين، بمنتهي الامانة، وآندهش تماما من حجم معلوماته، وذاكرته الفولاذية التي لا تخطيء أبدا بأحداثها وتسلسل تواريخها.. يا الله!
حفل أعمال عمار الشريعي بدار الأوبرا
وعلي ضوء هذا الزخم، والرصيد الفني لفنان جميل أحبه الشعب، نجحت الفنانة الكبيرة الدكتورة لمياء زايد رئيس دار الأوبرا المصرية في إقرار وتنظيم حفلة ساهرة من أعمال الموسيقار عمار الشريعي يوم الإثنين الماضي، وكانت مقاعد المسرح الكبير كاملة العدد، بقيادة المايسترو تامر غنيم..
وأحياها باقة مختارة من كبار فنانين الأوبرا، وغنوا مختارات من ألحان الراحل عمار الشريعي، غنت الفنانة أميرة أحمد حبيبتي من ضفايرها، ونهي حافظ غنت وبتسأل ياحبيبي، ومحمد حسن غنى أرابيسك، وأنغام مصطفي غنت أقوي من الزمن..
أما الفنان محمد الحلو فغني ثلاث أغنيات أشهرها زيزينيا وعمار يا اسكندرية.. وفاجأت الفنانة القديرة رحاب عمر جمهورها بأغنية هزت مشاعرنا وكان لها وقع خاص علي قلوب تلك الحشود الساهرة، لانها تعكس أحداث الساعة، حيث شدت رحاب بأغنية عربية يا أرض فلسطين التى تقول فى كلماتها:
عربية يا أرض فلسطين
قدس ومهد وعهد ودين
انجيل قرآن وجرس وآذان
وغضب ينطق يوم حطين
وخلال الاستراحة كانت تلك الدردشة مع جاري يمين مقعدي، وتصادف أنه عازف الكمان القدير وسام الموجي، والذي أكد علي عبقرية الغائب الحاضر عمار الشريعي، بمهارته في العزف علي أكثر من ألة موسيقية، وتحديه الإعاقة، وذلك يعد فتحا فريدا ونموذجا رائعا..
وبعد الإستراحة كان موعدنا مع الفنان الكبير علي الحجار بعشرة أغاني شهيرة من ألحان بطل سهرتنا عمار الشريعي..