سابق وأسبق!
بعد أربع سنوات من الإلحاح ورفض من بيدهم الأمر قبلت استقالتي من رئاسة أعرق مؤسسة صحفية ثقافية وأكبر صرح للتنوير.. يومها اعتبرت أنني تخففت من أعباء ومسئوليات منصب رفيع خضت خلالها معارك للحفاظ على هذا الصرح الثقافي الكبير، وأنني عدت إلى صفوف الكتيبة الصحفية جنديا فيها يقاتل بقلمه كما اعتدت دوما خلال مسيرتي الصحفية التي بدأت في منتصف الستينات من القرن الماضي..
ولذلك عندما استضافتني إحدى القنوات التليفزيونية بعد الإعلان عن قبول استقالتي رفضت أن تقدمنى المذيعة بوصفي الرئيس السابق لدار الهلال، وقلت لها أنا لا أحب ذلك ويكفيني أن تقدميني بكلمة واحدةْ هي: صحفي.
لكن للأسف أن مالا أحبه يعشقه كثيرون.. فهم يعتبرون المنصب، أي منصب، وكأنهم ورثوه أو اشتروه بأموالهم أو حتى هبة من الله عز وجل.. لذلك يحتفظون بلقب السابق دوما الذي يتحول بمرور الوقت إلى أسبق بعد حدوث تغيير في المناصب!
وللأسف أيضا إننا نساعدهم على ذلك حينما نمنح صاحب المنصب السابق أو الأسبق ذات الإهتمام والاحتفاء الذي نمنحه للمسئول الحالي.. فنحن نتعامل مع المسئولين السابقين وكأنهم لم يكلفوا بمسؤليات بالمناصب التي تولوها وإنما أحرزوا ألقابا لا تسترد منهم بعد أن يغادروا مناصبهم، وبعد أن يحل محلهم آخرون يتولون المسئولية يصير اللقب من حقهم!
بل وصل عشق المناصب لدى البعض منا إلى درجة التباهي بالترشح لإنتخابات الرئاسة وتقديم نفسه بأنه مرشح سابق للرئاسة.. وقد سمعت ذلك من أحد المرشحين للرئاسة عام 2005 في بيروت ونحن في لقاء لنا كوفد شعبي مصري مع الرئيس اللبناني للتضامن مع لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي تعرض له! فقد قدم نفسه بهذه الصفة وحدها! ولم يكترث الرجل للموقف الذي كان يعيشه لبنان وقتها حتى أننا قدمنا له على متن طائرة حربية.