رئيس التحرير
عصام كامل

عائد من الموت

 تجربة رهيبة أعيش تفاصيلها هذه الأيام، وأدعو الله متوسلا أن تكون قد اقتربت من نهايتها.. تجربة هي أقرب ما تكون من لعبة النهاية، أو الاقتراب الشديد من حافة الموت.. طوال شهور مضت كنت أشعر بملمس الرحيل.. أشم رائحته وأعاين تعابيره وأحدق في قسماته.
 

كل يوم يُقرِّبُني مِن النهاية.. 24 ساعة تُحذَفُ من عمري.. ورقةٌ تسقط من مدة وجودي على سطح الأرض.. أزحفُ رويدًا نحو المثوى الأخير.. لا أفكر في المصيرِ المحتوم، نادرًا ما كنتُ أفعل.. مشغولٌ أنا بالدنيا والعمل والأبناء وتوفير موارد المعيشة.


رغم ذلك، ففي سنٍّ معينة توقفت الطموحات لديَّ تقريبًا.. صار كل همي تحقيقُ حياةٍ كريمةٍ للأسرة.. أيقنت أن الرزقَ ليس بكثرة التعب، فلو كان كذلك لنام الحمارُ على سرير من الذهب، مثلما يقولون في المثل الشعبي.


الرزقُ يطارد ابن آدم كما الموت، تلك حقيقة أدركتُها متأخرًا جدًّا.. لكني استرحتُ كثيرًا بعدها، لم يعد عندي الشغف الذي كان والحرص القديم على الجري والتعب.. استوى عندي إلى حدٍّ كبيرٍ المكسب والإنفاق والربح والخسارة وتوافر المال وقلته.


درس اكتسبته بعد عناء شديد، وخسائر جمة، في الصحة بالذات؛ هو ألا أتكالب من أجل الدنيا، وألا أرهق نفسي في طلب المناصب، فما قدَّره الله سيكون.

 

اختبار صعب

كنتُ في أضعف حالاتي.. أتحسسُ الخُطى في الطريق إلى اختبارٍ هو الأصعبُ في حياتي.. جراحة خطيرة، بل هي الأخطر طوال تاريخي المرضيّ.. تجربة رهيبة.. الاقتراب من حافة الموت، والرحيل.. شعور يبعثُ على الرعب.
 

منذ أيامٍ، مَنَّ الله عليَّ بالعودة من شاطئ الغيب، إلى عالم الشهود.. وكأني بُعِثتُ من جديدٍ.. سبحان الله.. كثيرًا ما كنتُ أرددُ أنني لا أخشى الموت.. لكن للموتِ رهبة.. اللهم قوِّنا على رهبة الموت، وسكراته.


لا يشغلني الآن سوى الذنوب، والآثام، والخطايا، التي طاوعتني، بل حرضتني نفسي على ارتكابها، ومن أجلها استجبتُ لنوازع الشيطان وضلالاته.. اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي، ما علمتُ منها، وما لم أعلمْ.. ما ارتكبته عن جهل، أو عن عمد.. سرًّا وعلانية.


الأسوأ ما كان في حق الآخرين، فاللهُ لا يقبل الإساءة إلى عباده.. فاللهم اغفر لي أي إساءة بدرت مني، جهلا أو عمدا، في حق إنسان، كائنًا مَنْ كان.. أرجو من كل مَنْ أعرف، ومَنْ لا أعرف.. أن يسامحني، ويغفر لي ما قد يكون صدر عني، خطأً ودون قصد، أو بتدبير وتعمد، مِنْ تجاوز أو أخطاء أو إساءات.. وأن يصفح عني الصفح الجميل، لوجه الله تعالى.


بحقٍّ؛ أنا نادمٌ، وأسألُ الله أن يتقبلَ توبتي، وعزمي، إن قَدَّر لي الخالق، جل وعلا، العودةَ إلى الحياةِ من جديد، أن يكون مسلكي في الدنيا غيرَ ما كان منِّي قبل اليوم.. سأنظر إلى الآخرة دومًا، ولن ألتفت إلى المتاع الزائل، وإلى الدنيا الفانية.


وأسالُ الله للجميع النجاةَ من هولِ هذا الاختبار الصعبِ.. علينا أن نحمدَ الله على كل النعم، فنحنُ لا نعرفُ قدرها إلا حين نفقدها.. القدرة على الكلام نعمة.. الحديث مع الآخرين نعمة.. الابتسامة.. الضحكة.. الأكل.. الشرب.. الحركة.. النوم.. حتى البكاء نعمة.

 


لك اللهم الحمد والشكر على نعمائك.. فاكتبنا من الحامدين، الشاكرين، وزدنا من النعم، فأنت قلتَ، وقولُك الحقُّ: "ولئن شكرتُم لأزيدنَّكم".. وخفِّف علينا البلاء، والطف بنا عند نزوله، فأنت قلتَ وقولك الحقُّ: "اللَّهُ لَطيفٌ بِعِبادِهِ".

الجريدة الرسمية