الأسرار الإلهية في مملكة الإنسان (8)
ومازال الحديث عن أسرار الله تعالى في النفس البشرية وما يتعلق بالأمراض والآفات الكائنة والمبطونة فيها مستمرا، وكنا قد تحدثنا عن آفتين مهلكتين من الأمراض العالقة بها وهما الكبر والحسد. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن أخطر أمراض القلوب وأهلكها لصاحبها إن لم يتب ويبرء منها، وهي آفة النفاق.
النفاق تلك الآفة التي تقيم صاحبها في الدرك الأسفل من النار. لقوله تعالى: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا”. وهي آفة تصيب أصحاب القلوب المريضة الغلف التي عميت عن رؤية الحق والإذعان له. وهي أخطر من الكفر بالله تعالى.
يقول سبحانه وصفا لقلوبهم: “فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ”. والمنافق يظهر خلاف وعكس ما يبطنه في نفسه. يظهر الإيمان ويبطن الكفر. ويظهر المحبة ويبطن البغض والحقد والكراهية. يظهر الطيبة وحسن النية ويبطن الخبث والمكر وسوء النية.
أنواع النفاق
ولما كان النفاق من أخطر ما يكون على العبد أنزل الله تعالى سورة كاملة في القرآن بإسم المنافقين. والنفاق ينقسم إلى نفاقان أكبر وأصغر. النفاق الأكبر هو كون الإنسان يتعاطى الدين ويتظاهر به في ظاهر أحواله وهو كاذب. لا يؤمن بالله تعالى ولا باليوم الآخر.
أو يذكر مع الناس رياءا كما كان يفعل المنافقين في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وألا يؤمن بالدين والجنة والنار ولا بتوحيد الله عز وجل ولا برسول الله وما جاء به. وهو كافرا كفر أكبر يخرجه عن الملة. هذا عن النفاق الأكبر.
أما عن النفاق الأصغر وهو ما يتعلق بالعمل والجوارح، وهو الذي أشار اليه الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا تحدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر".
هذا ولقد وصف الله تعالى حال المنافقين وفضحهم في كتابه الكريم منه: أنهم أهل خداع وأنهم يقومون للصلاة كسالى مرآة للناس وأنهم لا يذكرون الله تعالى إلا قليلا وأن ليس لهم إنتماء لأحد. حيث يقول عز وجل: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ ”.
هذا ولقد وصفهم سبحانه وتعالى بأنهم أهل صدود وإعراض عن الحق وعدم الإستجابة لله تعالى ورسوله، حيث يقول تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا”.
هذا وقد وصفهم عز وجل أيضا بأنهم أهل كذب ورياء حيث يقول سبحانه: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ". عزيزي القارئ نستكمل حديثنا بمشيئة الله تعالى في المقالات التالية..