تأملات في الحب الإلهي
يقول الله عز وجل في محكم تنزيله «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا» - النساء (48).. كلما قرأت هذه الآية الكريمة، سألت نفسي: لماذا قال الله الشرك وليس الكفر؟
نعلم أن كل كلمة في القرآن، بل كل حرف وحركة، إنما وضعت في موضعها المناسب بالشكل والصورة التي تؤدي المعنى المقصود دون لبس أو غموض، وبدقة لا مجال فيها للتشكيك. وعليه، كانت هذه الخواطر التي لا تفسر إنما هي محاولة للتأمل والتدبر..
إن بين صفحات الروح، ترسم حكاية حبٍ إلهي، تُغزل خيوطها من إيمانٍ عميق، وتُنسج بمشاعرٍ صادقة. حكايةٌ تُبحر بنا في رحلةٍ روحية، نُلامس فيها رحمة الله وعظمته، ونُدرك عظمة الحب الإلهي. يُخبرنا الله تعالى أنّه لا يُغفر الشرك ولم يقل عز وجل الكفر. ونُسائل أنفسنا: ما الفرق بين الاثنين؟
الكفر هو الضلال، هو سلوك طريقٍ غير صحيح، دون وعيٍ بخطئه. بينما الشرك هو الوعي التام باختيار طريقٍ خاطئ، هو الإيمان بأكثر من إلهٍ.. كذلك الحب، يُسامح فيه المحب حبيبه حينما يُخطئ، حينما يضلّ عن الطريق، فهو يُعتبره ضالًا، تائها. لكنّه لا يُسامحه حينما يُشرك في حبه، حينما يُقرر بِعِلمه ووعيه أن يُشارك حبه مع آخر.
ولو تبحرنا في ما قاله العلماء حول من لم تصله الدعوة لدين الله، وأن الخالق سبحانه لا يحاسب إنسانا إلا بما يقترفه عن علم، لاتضح أن هذا الإنسان لم يشرك بالله مع أنه يعد اصطلاحا كافر به. إن الحبيب الحقيقي هو عبدٌ رباني، يُسامح في الكفر، لكنّه لا يُقبل الشرك. يُسامح في الخطأ، لكنّه لا يُسامح في الغدر والخيانة.
إن الحبّ الإلهي هو حبٌ خالصٌ، لا يُشارك فيه أحدٌ، هو حبٌ يُغفر فيه الخطأ، لكنّه لا يُغفر فيه الخيانة.. في رحلةِ الإيمانِ والحبّ، نُدركُ عظمةَ اللهِ ورحمتَه، ونُدركُ عظمةَ الحبّ الإلهيّ، فليكن حبّنا للهِ خالصًا، إيماننا بهِ قويًا، وعلاقتنا بهِ قائمةً على الإخلاصِ والوفاءِ.